الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ فِيهِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، أَمَّا هَاهُنَا الْمِلْكُ صَحِيحٌ فَافْتَرَقَا.
وَقَدْ فَاتَتْ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ فَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَابَلْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِالْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَبِفَوَاتِهِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ.
وَلِهَذَا لَوْ ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَقَدْ نَفَيَاهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَطْلُبَ شَيْئًا بِمُقَابَلَتِهِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَذَهَبَتْ يَدُهُ أَوْ عَيْنُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْعُقْرُ كَالْأَرْشِ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا لَمْ يَصِرْ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ، أَمَّا إذَا صَارَ فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يُحَطُّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يَخُصُّ الْعَيْنَ، وَلَوْ اعْوَرَّتْ فِي يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُحَطُّ بَلْ يُرَابَحُ عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ، وَكَذَا فِي الشُّفْعَةِ إذَا كَانَ فَوَاتُ وَصْفِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ بِفِعْلٍ قَصْدِيٍّ قُوبِلَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ شَخْصٌ بَعْضَ بِنَاءِ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الشَّفِيعِ حِصَّتَهُ، وَلَوْ فَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَأَنْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ وَنَحْوُهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَبِهَذَا أُورِدَ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْقَصْدِيِّ، أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَالشُّفْعَةُ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا سَوَاءٌ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْوَصْفَ إنَّمَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ فِي الْمِلْكِ الْفَاسِدِ، وَمَوْضِعُ وُجُوبِ اجْتِنَابِ الشُّبْهَةِ كَمَا ذَكَرْت مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ دُونَ الْخِيَانَةِ، وَلِلشُّبْهَةِ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ فِيهَا وَالْمِلْكُ فِي الشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي كَالْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ تَحْوِيلِهِ إلَيْهِ.
أَمَّا فِي الشِّرَاءِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا يُشْبِهُ الْفَاسِدَ فَالثَّمَنُ يُقَابِلُ الْعَيْنَ لَا غَيْرُ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تُضْمَنُ فِيهِ: أَيْ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ كَالْغَصْبِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ فَسْخِ السَّبَبِ، فَالْأَصْلُ فِي تَقَوُّمِ الصِّفَاتِ هُوَ الْغَصْبُ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْمَالِكِ وَمُبَالَغَةً فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ دُونَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِتَحَقُّقِ التَّرَاضِي فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَهْدَرَ تَرَاضِيَهُمَا فِي حَقِّ الْحِلِّ، وَطَلَبَ رَدَّ كُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلَهُ إلَى الْآخَرِ.
وَفِي الْكَافِي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute