للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَارِقُ هُوَ الْعُرْفُ فِي الْفَصْلَيْنِ. فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ الْفُقَرَاءَ، وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فِي الشُّرْبِ وَالنُّزُولِ. وَالْغَنِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَرْفِ هَذَا الْغَلَّةِ لِغِنَاهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

شَطِّ الْحَوْضِ الْقَدِيمِ فَهِيَ لِلْغَارِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ جَعْلِهَا لِلْعَامَّةِ، وَكَذَا عَلَى شَطِّ نَهْرِ الْقَرْيَةِ. وَلَوْ قَطَعَهَا فَنَبَتَ مِنْ عُرُوقِهِمَا أَشْجَارٌ فَهِيَ لِلْفَارِسِ وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْتًا لِحِفْظِ اللَّبَنِ وَنَحْوِهِ، إنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، لَكِنْ إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ يُرْفَعُ الْبِنَاءُ لِيَقْبُرَ فِيهِ.

وَمَنْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرًا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقْبُرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُوحِشَهُ إنْ كَانَ فِيهَا سَعَةٌ، وَهُوَ كَمَنْ بَسَطَ سَجَّادَةً فِي الْمَسْجِدِ أَوْ نَزَلَ فِي الرِّبَاطِ فَجَاءَ آخَرُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوحِشَ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ فِي الْمَكَانِ سَعَةٌ.

وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَقْبَرَةِ الدَّائِرَةِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا حَشِيشٌ يُحَشُّ وَيُخْرَجُ إلَى الدَّوَابِّ وَلَا يُرْسَلُ الدَّوَابُّ فِيهَا، ثُمَّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سُكْنَى الْخَانِ وَدَارِ الْغُزَاةِ وَالسِّقَايَةِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ يَسْتَوِي الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، بِخِلَافِ وَقْفِ الْغَلَّةِ عَلَى الْغُزَاةِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْفَارِقُ) فِيهِ (الْعُرْفُ فَإِنَّ) الْوَاقِفِينَ مِنْ (أَهْلِ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ الْفُقَرَاءَ وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فِي الشُّرْبِ وَالنُّزُولِ)؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِصْحَابِ مَا يَشْرَبُهُ فِي كُلِّ مَكَان، وَلَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ مِنْ السَّفَرِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ فِي الرِّبَاطِ أَنْ يَخُصَّ سُكْنَاهُ بِالْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ عَلَى أَنَّ بِنَاءَ الْأَرْبِطَةِ لِلْفُقَرَاءِ.

وَهَذَانِ فَصْلَانِ فِي الْمُتَوَلِّي وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَوَلِّي)

قَالُوا: لَا يُوَلَّى مَنْ طَلَبَ الْوِلَايَةَ عَلَى الْأَوْقَافِ كَمَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ لَا يُقَلَّدُ، وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْعِمَارَةِ. مُسْتَغِلًّا، وَلَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الصَّحِيحِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ. وَمَنْ سَكَنَ دَارَ الْوَقْفِ غَصْبًا أَوْ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي بِلَا أُجْرَةٍ كَانَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ غَيْرَ مُعَدٍّ لَهُ، حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي دَارًا لِلْوَقْفِ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضٍ هَذَا الْأَمْرَ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْوَقْفِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَخْدُمُ الْمَسْجِدَ بِكَنْسِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ زِيَادَةً يَتَغَابَنُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَالْإِجَارَةُ لَهُ وَعَلَيْهِ الدَّفْعُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَيَضْمَنُ لَوْ دَفَعَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَإِنْ عَلِمَ الْأَجِيرُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى حَاجَةِ الْوَقْفِ. وَلَوْ أَدْخَلَ جِذْعًا مِنْ مَالِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَالْوَصِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ، وَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ دُهْنًا وَحَصِيرًا وَآجُرًّا وَحُصًّا لِفُرُشِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ الْوَاقِفُ وَسَّعَ فَقَالَ يَفْعَلُ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً، وَإِنْ وَقَفَ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَلَمْ يَزِدْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ شَرْطٌ يَعْمَلُ مَا عَمِلَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَا يَسْتَدِينُ عَلَى الْوَقْفِ إلَّا إذَا اسْتَقْبَلَهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَسْتَدِينُ بِأَمْرِ الْقَاضِي، وَيَرْجِعُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ.

وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ: وَكَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَدِينَ لِزِرَاعَةِ الْوَقْفِ وَبِزْرِهِ بِأَمْرِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الِاسْتِدَانَةَ عَلَى الْوَقْفِ فَصَحَّ بِأَمْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّي لَا يَمْلِكُهُ، وَالِاسْتِدَانَةُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَيَسْتَدِينُ وَيَرْجِعُ. أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالُ الْوَقْفِ فَاشْتَرَى وَنَقَدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَكِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>