للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (وَكَذَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذِكْرِ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ وَالصَّنْعَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْهَا لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ فَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ صِحَّةِ السَّلَمِ،

قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْمَذْرُوعَاتِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا بِذَكَرِ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ وَالصَّنْعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِلضَّبْطِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الصِّحَّةِ.

وَعُرِفَ مِنْ تَعْلِيلِهِ هَذَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَضْبُوطًا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَلِهَذَا أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْبَسْطِ وَالْحُصْرِ وَالْبَوَارِي إذَا بَيَّنَ الطُّولَ وَالْعَرْضَ.

وَفِي الْإِيضَاحِ: يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْوَزْنِ فِي ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ لِبَقَاءِ التَّفَاوُتِ بَعْدَ ذِكْرِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ، وَالْحَرِيرُ كُلَّمَا خُفَّ زَادَتْ انْتَهَى. وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ. وَفِي عُرْفِنَا ثِيَابُ الْحَرِيرِ أَيْضًا وَهِيَ الْمُسَمَّاةِ بِالْكَمْخَاءِ كُلَّمَا ثَقُلَ ازْدَادَتْ الْقِيمَةُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِيمَةُ تَزِيدُ بِالثِّقَلِ أَوْ بِالْخِفَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّصِّ الْمُفِيدِ لِشَرْعِيَّتِهِ إلَّا الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُمَا. لَا يُقَالُ: السَّلَمُ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ جَازَ أَنْ يُعَلَّلَ وَيُلْحَقَ بِالْمَخْرَجِ غَيْرُهُ بِهِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمُ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ الْقِيَاسَ لِاتِّفَاقِ كَلِمَتِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْعِيَّةَ السَّلَمِ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِ بَلْ مِنْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ فَالْعَامُّ وَهُوَ لَفْظُ مَا لَيْسَ عِنْدَك الْوَاقِعُ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَهُوَ لَا تَبِعْ مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذِكْرِ الْأَجَلِ فِيمَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَعَدَمِهِ، وَشَرْعِيَّةُ السَّلَمِ تَقْيِيدٌ لَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ فِي الْمَبِيعِ، أَمَّا إذَا ذَكَرَ الْأَجَلَ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ لَا بَعْضُهُ لِيَكُونَ تَخْصِيصًا بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، بَلْ كُلُّ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ بِلَا ذِكْرِ أَجَلٍ عَلَى عُمُومِهِ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ وَكُلِّهِ مَعَ ذِكْرِهِ مَخْرَجٌ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَكِنْ بِشَرْطِ ضَبْطِهِ وَمَعْرِفَتِهِ، كَمَا أَنَّ مَا عِنْدَهُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَنْ غَيْرِ سَلَمٍ مَعَ جَهَالَتِهِ وَعَدَمِ ضَبْطِهِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّهُ مَعَ شَرْطِهِ مِنْ الضَّبْطِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَجَلٍ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ أَجَلٍ، وَكَوْنُ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ لَيْسَ تَعْيِينًا لَهُمَا وَلَا أَمْرًا بِخُصُوصِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَمِ، بَلْ حَاصِلُهُ أَمْرٌ بِتَعْيِينِ الْأَجَلِ وَالْكَيْلِ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيلِ بَيَانًا لِشَرْطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَهَالَةِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْحَدِيثِ وَهُوَ «أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةِ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَقَالَ: مِنْ أَسْلَمَ فِي شَيْءٍ يَعْنِي مِنْ هَذِهِ الثِّمَارِ فَلِيَكُنْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ»، ثُمَّ إنَّهُ زَادَ الْوَزْنَ لِيُفِيدَ عَدَمَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْكَيْلِ، فَإِنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>