للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَا فِي الْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ، لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبِ مَعْلُومُ الْقَدْرِ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ، بِخِلَافِ الْبِطِّيخِ

بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِرْبَاحِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُقِلِّ الرَّاجِي فَأُنِيطَ بِمَظِنَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى أَخْذِ الْعَاجِلِ بِالْآجِلِ وَإِعْطَائِهِ وَشَرْطُ الضَّبْطِ لِدَفْعِ الْمُنَازَعَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّتِهِ لَا تَخْتَلِفُ وَهُوَ الْحَاجَةُ الْمَاسَةُ إلَى أَخْذِ الْعَاجِلِ بِالْآجِلِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ مِنْ الْقَزَّازِينَ فِي الْمَذْرُوعِ كَمَا فِي أَصْحَابِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، يَفْهَمُ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ سَبَبَ الْمَشْرُوعِيَّةِ الْمَنْقُولِ فِي أَثْنَاءِ الْأَحَادِيثِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلِذَا كَانَ ثُبُوتُ السَّلَمِ فِي الْمَذْرُوعَاتِ بِالدَّلَالَةِ: أَعْنِي دَلَالَاتِ النُّصُوصِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلسَّبَبِ لِمَنْ سَمِعَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فِي الْمَذْرُوعَاتِ مَانِعٌ وَهُوَ أَنَّ الضَّبْطَ بِالذَّرْعِ دُونَهُ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِمَا.

فَالْجَوَابُ حِينَئِذٍ. إنْ قُلْتَ: الذَّرْعُ لَا يُضْبَطُ الْقَدْرُ كَمَا يُضْبَطُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ بَلْ الذَّرَاعُ الْمُعَيَّنُ يَضْبِطُ كَمْيَّةَ الْمَبِيعِ بِلَا شُبْهَةٍ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَيْسَ فِي الصَّنْعَةِ، وَنَحْنُ مَا قُلْنَا إنَّ مُجَرَّدَ ذِكْرِ عَدَدِ الذُّرْعَانِ مُصَحِّحٌ لَلسَّلَمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ حَتَّى يَنْضَبِطُ، كَمَا أَنَّ الْمَكِيلَ أَيْضًا لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ السَّلَمِ فِيهِ مُجَرَّدُ ذِكْرِ عَدَدِ الْكَيْلِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْأَوْصَافَ مَعَهُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّقْرِيرَ فَإِنَّ فِي غَيْرِهِ خَبْطًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْمَعْدُودَاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ) أَيْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا (لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَقَارِبُ مَضْبُوطٌ بِالْعَدَدِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمُ فَيَجُوز السَّلَمُ فِيهِ) عَدَدًا (وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ) بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ حِينَئِذٍ يَسِيرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلِذَا لَا تُبَاعُ بَيْضَةُ دَجَاجَةٍ بِفَلْسٍ وَأُخْرَى بِفَلْسَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ فِي الْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْمُصَنِّفُ: أَعْنِي أَنَّ مَا تَفَاوَتَتْ مَالِيَّتُهُ مُتَفَاوِتٌ كَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالرُّمَّانِ وَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَالسَّفَرْجَلِ، فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَالِيَّةِ إلَّا إذَا ذَكَرَ ضَابِطًا غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ وَغِلَظٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَمِنْ الْمَعْدُودَاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ الْجُوَالِقَاتِ وَالْفِرَاءِ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا بِذِكْرِ مُمَيَّزَاتٍ. وَأَجَازُوهُ فِي الْبَاذِنْجَانِ وَالْكَاغَدِ عَدَدًا لِإِهْدَارِ التَّفَاوُتِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى كَاغَدٍ بِقَالِبٍ خَاصٍّ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَكَوْنُ الْبَاذِنْجَانَ مُهْدَرَ التَّفَاوُتِ لَعَلَّهُ فِي بَاذِنْجَانِ دِيَارِهِمْ وَفِي دِيَارِنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ بِيضِ النَّعَامِ وَجَوْزُ الْهِنْدِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْءٌ مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ فِي بِيضِ الدَّجَاجِ وَالْجَوْزِ الشَّامِيّ وَالْفِرِنْجِ لِعَدَمِ إهْدَارِ التَّفَاوُتِ مِنْ جِنْسَيْنِ لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ.

وَيُشْتَرَطُ مَعَ الْعَدَدِ بَيَانُ الصِّفَةِ أَيْضًا، فَلَوْ أَسْلَمَ فِي بِيضِ النَّعَامِ أَوْ جَوْزِ الْهِنْدِ جَازَ كَمَا جَازَ فِي الْآخَرِينَ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَنَعَهُ فِي بِيضِ النَّعَامِ ادِّعَاءٌ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْغَرَضِ فِي عُرْفِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ فِي عُرْفِ مَنْ يَبِيعُ بِيضَ النَّعَامِ الْأَكْلُ لَيْسَ غَيْرُ كَعُرْفِ أَهْلِ الْبَوَادِي يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفِ حُصُولُ الْقِشْرِ لِيَتَّخِذَ فِي سَلَاسِلَ الْقَنَادِيلِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْصَارِ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعَدَدِ إلَّا مَعَ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ وَاللَّوْنِ مَعَ نَقَاءِ الْبَيَاضِ أَوْ إهْدَارِهِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>