وَالرُّمَّانُ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، وَبِتَفَاوُتِ الْآحَادِ فِي الْمَالِيَّةِ يُعْرَفُ الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي بِيضِ النَّعَامَةِ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ كَمَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا يَجُوزُ كَيْلًا. وَقَالَ زُفَرُ ﵀: لَا يَجُوزُ كَيْلًا لِأَنَّهُ عَدَدِيٌّ وَلَيْسَ بِمَكِيلٍ. وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ. وَلَنَا أَنَّ الْمِقْدَارَ مَرَّةُ يُعْرَفُ بِالْعَدَدِ وَتَارَةٌ بِالْكَيْلِ، وَإِنَّمَا صَارَ مَعْدُودًا بِالِاصْطِلَاحِ فَيَصِيرُ مَكِيلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا وَكَذَا فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا. وَقِيلَ هَذَا عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ﵀.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ. وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا بِاصْطِلَاحِهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَلَا تَعُودُ وَزْنِيًّا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ
وَكَمَا يَجُوزُ عَدَدًا فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ يَجُوزُ كَيْلًا، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَكِيلٍ بَلْ مَعْدُودٍ، وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ) بَيْنَ آحَادِهِ. قُلْنَا: أَمَّا التَّفَاوُتُ فَقَدْ أَهْدَرَ فَلَا تَفَاوَتَ إذْ لَا تَفَاوَتَ فِي مَالِيَّتِهِ؛ وَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْدُودًا فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ كَيْلُهُ مَعَ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمِقْدَارِ لَيْسَ إلَّا لِلضَّبْطِ وَالضَّبْطُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْعَدَدِ بَلْ يَتَعَرَّفُ بِطَرِيقٍ آخَرَ.
فَإِنْ قِيلَ: الْكَيْلُ غَيْرُ مَعْدُومٍ فِيهِ لِمَا يَبْقَى بَيْنَ كُلِّ جَوْزَتَيْنِ وَبَيْضَتَيْنِ مِنْ التَّخَلْخُلِ: قُلْنَا: قَدْ عِلْمنَا بِهِ وَرَضِيَ رَبُّ السَّلَمِ فَإِنَّمَا وَقَعَ السَّلَمُ عَلَى مِقْدَارِ مَا يَمْلَأُ هَذَا الْكَيْلَ مَعَ تَخَلْخُلِهِ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا وَالْمَعْدُودُ لَيْسَ مِنْهَا، وَكِيلُهُ إنَّمَا كَانَ بِاصْطِلَاحِهِمَا فَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَكِيلًا مُطْلَقًا لِيَكُونَ رِبَوِيًّا.
وَإِذَا أَجَزْنَاهُ كَيْلًا فَوَزْنًا أَوْلَى (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا) أَيْ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْفُلُوسِ عَدَدًا، هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ ﵀ فِي الْجَامِعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، فَكَانَ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. وَقِيلَ بَلْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. أَمَّا عِنْدَهُ فَلَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ مَنْعِهِ بِبَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ فِي بَابِ الرِّبَا لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ، وَهَذَا مَا أَرَادَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِذَا كَانَتْ أَثْمَانًا لَمْ يَجُزْ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخُوَارِزْمِيَّ أَنَّ السَّلَمَ فِي الْفُلُوسِ لَا يَجُوزُ عَلَى وَفْقِ هَذَا التَّخْرِيجِ، لَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ الْجَوَازُ. وَالْفَرْقُ لَهُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُثَمَّنًا، فَإِذَا أَقْدَمَا عَلَى السَّلَمِ فَقَدْ تَضَمَّنَ إبْطَالُهُمَا اصْطِلَاحَهُمَا عَلَى الثَّمَنِيَّةَ، وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَتَعَامَلُ فِيهَا بِهِ وَهُوَ الْعَدُّ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وُرُودُهُ عَلَى الثَّمَنِ فَلَا مُوجِبَ لِخُرُوجِهَا فِيهِ عَنْ الثَّمَنِيَّةَ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فَامْتَنَعَ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ جَوَابُ الْمُصَنِّفُ الْمَذْكُورِ عَلَى تَقْدِيرِ تَخْرِيجِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ.
وَقَوْلُنَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي إلَى آخِرِهِ هُوَ تَقْرِيرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَعُودُ وَزْنِيًّا: يَعْنِي إذَا بَطَلَتْ ثَمَنِيَّتُهَا لَا يَلْزَمُ خُرُوجُهَا عَنْ الْعَدَدِيَّةِ إلَى الْوَزْنِيَّةِ، إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ عَدَمِ الثَّمَنِيَّةِ عَدَمُ الْعَدَدِيَّةِ كَالْجَوْزِ وَالْبِيضِ بَلْ يَبْقَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تُعُورِفَ التَّعَامُلُ بِهِ فِيهَا وَهُوَ الْعَدَدُ إلَّا أَنْ يُهْدِرَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ فِي زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْفُلُوسَ أَثْمَانٌ فِي زَمَانِنَا وَلَا تُقْبَلُ إلَّا وَزْنًا فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا إلَّا وَزْنًا فِي دِيَارِنَا فِي زَمَانِنَا وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute