للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ الثِّيَابِ لِأَنَّهُ مَصْنُوعُ الْعِبَادِ فَقَلَّمَا يَتَفَاوَتُ الثَّوْبَانِ إذَا نُسِجَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ.

إلَى أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ لِلرَّجُلِ بِكْرَهُ، فَرَجَعَ إلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إلَّا جَمَلًا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ: أَعْطِهِ إيَّاهُ، إنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً» فَدَلَّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَيَوَانِ فِي الذِّمَّةِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ يُوفِيهَا صَاحِبُهَا بِالرَّبْذَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ، وَاسْتَوْصَفَ بَنُو إسْرَائِيلَ الْبَقَرَةَ فَوَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فَعَلِمُوهَا بِالْوَصْفِ، وَقَالَ «أَلَّا لَا يَصِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهَا تَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَا تَصِفُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ بَيْن يَدَيْ زَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا» فَقَدْ جَعَلَ الْمَوْصُوفَ كَالْمَرْئِيِّ.

وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ الْغُرَّةَ وَمِائَةً مِنْ الْإِبِلِ دِيَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَأَثْبَتَ مَهْرًا فِي الذِّمَّةِ، وَصِحَّةُ الدَّعْوَى بِالْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفِ وَالشَّهَادَةِ بِهِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كَوْنُ الْمُدَعِّي وَالْمَشْهُودُ بِهِ مَعْلُومًا.

قُلْنَا: أَمَّا الْمَعْنَى فَيَمْنَعُ أَنَّ بَعْدَ الْوَصْفِ فِي الْحَيَوَانِ يَصِيرُ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا بَلْ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَصِيرُ مَعَهُ تَفَاوُتٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ وَالْمُتَسَاوِيَيْنِ سِنًّا وَلَوْنًا وَجِنْسًا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فِي حُسْنِ الشِّيمَةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَدَبِ وَفَهْمِ الْمَقَاصِدِ مَا يُصَيِّرُهُ بِأَضْعَافِ قِيمَةِ الْآخَرِ، وَكَذَا بَيْنَ الْفَرَسَيْنِ وَالْجَمَلَيْنِ (بِخِلَافِ الثِّيَابِ) فَإِنَّهَا مَصْنُوعَةُ الْعَبْدِ بِآلَةٍ خَاصَّةٍ، فَإِذَا اتَّحَدَتْ لَمْ تَتَفَاوَتْ إلَّا يَسِيرًا، وَكَذَا بَيْنَ الْجَيِّدِينَ مِنْ الْحِنْطَةِ مِثْلًا بِاتِّفَاقِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَوَانَ كَذَلِكَ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (قَلَّمَا يَتَفَاوَتُ الثَّوَبَانُ إذَا نُسِجَا عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ) يُرِيدُ أَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ قَلِيلًا لَا عَدَمَ التَّفَاوُتِ أَصْلًا كَمَا هُوَ اسْتِعْمَالُ قَلَّمَا فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ: أَعْنِي قَلَّ إذَا كَفَّ بِمَا اسْتَعْمَلَ لِلنَّفْيِ: كَقَوْلِهِ وَقَلَّمَا وِصَالٌ عَلَى طُولِ الصُّدُودِ يَدُومُ وَحِينَ عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ قِلَّةَ التَّفَاوُتِ وَجَبَ أَنْ تَجْعَلَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَعْنَى قَلَّ التَّفَاوُتُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ إذَا اتَّحَدَ الصَّانِعُ وَالْآلَةُ اتَّحَدَا الْمَصْنُوعُ مِنْ التَّسَاهُلِ.

وَأَمَّا النَّصُّ الْمَذْكُورُ فَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ، فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ هَكَذَا، وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ فَأَسْقَطَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَقَدَّمَ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ. ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَاهُ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَقَالَ فِيهِ: عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي حَبِيبٍ: عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ.

وَرَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ.

وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، فَأَسْقَطَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَقَدَّمَ أَبَا سُفْيَانَ كَمَا فَعَلَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي مُسْلِمِ بْنِ جُبَيْرٍ مُسْلِمِ بْنِ كَثِيرٍ، وَمَعَ هَذَا الِاضْطِرَابِ فَعَمْرُو بْنُ حُرَيْشٍ مَجْهُولُ الْحَالِ وَمُسْلِمُ بْنُ جُبَيْرٍ لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا وَلَا أَعْلَمْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ، وَأَبُو سُفْيَانَ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُهُ.

فَلَا حُجَّةَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً». وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ قَالَ الْبَزَّارُ: لَيْسَ فِي الْبَابِ أَجَلٌ إسْنَادًا مِنْ هَذَا.

وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيّ إنَّهُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ بِسَبَبِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ كَذَلِكَ كَأَنَّهُ هُوَ مَبْنَى قَوْلُ الشَّافِعِيِّ : إنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً غَيْرُ ثَابِتٍ، لَكِنْ هَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ بَعْدَ تَصْرِيحِ الثِّقَاتِ بِابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ دَاوُد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ مُسْنَدًا، وَغَايَةُ مَا فِيهِ تَعَارُضُ الْوَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>