وَلَوْ أُسْقِطَ خِيَارُ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ الْمَالِ قَائِمٌ جَازَ خِلَافًا لَزُفَرَ، وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ
(وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا فِي قَوْلِهِمْ إعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ وَتَعْجِيلُهُ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَتَأْجِيلُهُ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَتِي دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ مِائَةٌ مِنْهَا دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَمِائَةٌ نَقْدٌ فَالسَّلَمُ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ وَيَجُوزُ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادَ لِأَنَّ الْفَسَادَ طَارِئٌ، إذْ السَّلَمُ وَقَعَ صَحِيحًا، وَلِهَذَا لَوْ نَقَدَ رَأْسَ
وَتَمَامُهُمَا بِتَمَامِ الرِّضَا وَهُوَ تَمَامُ وَقْتِ الْعَقْدِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ أُسْقِطَ خِيَارُ الشَّرْطِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ قَائِمٌ جَازَ) السَّلَمُ (خِلَافًا لَزُفَرَ) وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقِيَامِ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُمَا لَوْ أَسْقَطَاهُ بَعْدَ إنْفَاقِهِ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ بِالْإِهْلَاكِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَم إلَيْهِ، فَلَوْ صَحَّ كَانَ بِرَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، وَلِأَنَّهُ الْآنَ فِي مَعْنَى الِابْتِدَاءِ، إذْ قَبْلَ الْإِسْقَاطِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَقْدِ وُجُودٌ شَرْعًا، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ كَقَوْلِ زُفَرَ (وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ) فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ يَنْقَلِبُ جَائِزًا عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُمْ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀ (وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ جَمَعُوهَا إلَى آخِرِهِ) فَإِعْلَامُ رَأْسِ الْمَالِ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَنَوْعِهِ وَقَدْرِهِ وَتَعْجِيلِهِ تَتِمُّ خَمْسَةٌ، وَمِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ النَّقْدِ الْفُلَانِيِّ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ الْمَالِيَّةِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الرَّوَاجِ كَقَوْلِنَا عَدْلِيَّةً أَوْ غِطْرِيفِيَّةً، فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ وَتَسَاوَتْ رَوَاجًا يُعْطِيهِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ، وَلَوْ تَفَاوَتَتْ رَوَاجًا انْصَرَفَ إلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَيَنْبَغِي فِي دِيَارِنَا إذَا سَمَّى مُؤَيِّدَيْهِ يُعْطِيهِ الْأَشْرَفِيَّةَ وَالْجَقْمَقِيَةَ لِتَعَارُفِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ مُؤَيِّدِيهِ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ وَإِعْلَامِ الْمُسْلَمِ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى مِثْلِهَا خَلَا التَّعْجِيلَ وَتَأْجِيلُهُ وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ يَتِمُّ أَحَدَ عَشَرَ، وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ بِالْفِعْلِ فِي الْحَالِ لَيْسَ هُوَ شَرْطًا عِنْدَنَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ عَجْزُهُ عِنْدَ الْحُلُولِ وَإِفْلَاسُهُ لَا يَبْطُلُ السَّلَمُ وَقَدْ بَقِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَجُوزُ فِي النُّقُودِ وَأَنْ لَا يَكُونَ حَيَوَانًا، وَانْتِقَادُ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ نَقْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَنْ لَا يَشْمَلَ الْبَدَلَيْنِ إحْدَى عِلَّتِي الرِّبَا وَعَدَمُ الْخِيَارِ، فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ لَمْ يَتِمَّ.
ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي السَّلَمِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ مِائَتَيْنِ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ (مِنْهَا مِائَةٌ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَنَقَدَهُ مِائَةٌ أَنَّ السَّلَمَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لِفَوَاتِ قَبْضُهُ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ) فِي الْكُلِّ خِلَافًا لَزُفَرَ ﵀. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ فَسَادٌ قَوِيٌّ لِتَمَكُّنِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. وَأَيْضًا فَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي صِحَّةِ الدَّيْنِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي صِحَّةِ النَّقْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute