(وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً بِمِقْدَارِ مَهْرِ مِثْلِهَا) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ لَمَّا أَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْإِتْلَافِ بِعِوَضٍ وَبَيْنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ) لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ.
قَالَ (وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافٍ مَعْنًى
تَقَوُّمِهِ حَالَ الدُّخُولِ، فَكَذَا فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْخُرُوجِ عَيَّنَ ذَلِكَ الَّذِي ثَبَتَ تَقَوُّمُهُ. وَأَجَابُوا بِحَاصِلِ تَوْجِيهِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ تَقَوُّمَهُ حَالَ الدُّخُولِ لَيْسَ إلَّا لِإِظْهَارِ خَطَرِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْهُ النَّسْلُ الْمَطْلُوبُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّفْعِ، كَمَا شُرِطَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَقْدِ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ الْعُقُودِ لِذَلِكَ لَا لِاعْتِبَارِهِ مُتَقَوِّمًا فِي نَفْسِهِ كَالْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُرَدُّ الْمِلْكُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ فَلَا تُضْمَنُ لِأَنَّ التَّضْمِينَ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ بِالنَّصِّ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُحَرَّزُ وَتَتَمَوَّلُ وَالْأَعْرَاضِ الَّتِي تَتَصَرَّمُ وَلَا تَبْقَى.
وَفُرِّعَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ خِلَافِيَّةٌ أُخْرَى، هِيَ مَا إذَا شَهِدُوا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفُرْقَةِ لَمْ يَضْمَنُوا عِنْدَنَا، وَكَذَا إذَا قَتَلَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِزَوْجِهَا شَيْئًا، وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِزَوْجِهَا. وَعِنْدَهُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْقَاتِلِ لِلزَّوْجِ مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَأَوْرَدَ عَلَى قَوْلِنَا نَقْضًا أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الضَّمَانَ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ حَقِيقَةً فِيمَا إذَا أَكْرَهَ مَجْنُونٌ امْرَأَةً فَزَنَى بِهَا يَجِبُ فِي مَالِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَكَذَا يَجِبُ فِي الْإِتْلَافِ الْحُكْمِيِّ. وَأَجَابَ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهُ فِي الْإِتْلَافِ الْحَقِيقِيِّ بِالشَّرْعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْحُكْمِيُّ دُونَهُ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِيهِ وَارِدًا فِي الْحُكْمِيِّ، وَنَظِيرُهُ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الدَّارَ مِنْ هَذَا شَهْرًا بِعَشْرَةٍ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا مِائَةٌ وَالْمُؤَجِّرُ يُنْكِرُ فَشَهِدَا بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا الْمَنْفَعَةَ وَمُتْلِفُ الْمَنْفَعَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إذَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا) بِأَنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَشَهِدَا ثُمَّ رَجَعَا لَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ بَعْدَمَا قَضَى بِهِ، وَلَا يَضْمَنَانِ مَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُمَا عَوَّضَا مِلْكَ الْبُضْعِ وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ حِينَ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الضَّمَانِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْإِتْلَافِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، وَالْإِتْلَافُ بِلَا عِوَضٍ وَهُوَ الَّذِي يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ (وَإِنْ شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الزِّيَادَةَ) عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ (لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا بِلَا عِوَضٍ) وَهِيَ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي تَقَعُ الْمُمَاثَلَةُ بِالتَّضْمِينِ فِيهَا
(قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدَا بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ) بِأَنْ ادَّعَى ذَلِكَ مُدَّعٍ فَشَهِدَا لَهُ بِهِ.
(ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِتْلَافِ مَعْنًى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute