للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَالنَّظَرَ فِيهِ وَتَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَلِأَنَّهُ تَلَقُّنٌ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ كَمَا إذَا تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ، وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَهْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَالِكَ الْفَهْمُ، أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ.

مُسْتَأْنِفًا الْمَنْوِيَّ ثَانِيًا مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ) فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَمُّ بِهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْضُوعًا، وَعَلَى الثَّانِي كَوْنُ تِلْكَ مُرَاجَعَةً كَانَتْ قُبَيْلَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ بِذِكْرِهِ أَقْرَبَ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ «لِأَنَّهُ صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا. وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَيْسَ فِيهَا تَلَقُّنٌ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قِيَاسُ قِرَاءَةِ مَا تَعَلَّمَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ حَيَّ عَلَيْهَا مِنْ مُعَلِّمٍ حَيَّ بِجَامِعِ أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ، فَإِنَّ فِعْلَ الْخَارِجِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَسَادِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ فِعْلُ مَنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا التَّلَقُّنُ، وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْجَامِعِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْإِفْسَادِ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ آيَةً تَفْسُدُ، وَقِيلَ بَلْ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ إلَّا أَنَّهُ نَظَرَ فَقَرَأَ لَا تَفْسُدُ (قَوْلُهُ فَالصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا فَسَدَتْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَجَوَابُهَا مِنْ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ.

وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ تَلَقَّنَ غَلَطٌ، إذْ الْمُفْسِدُ التَّلَقُّنُ الْمُقْتَرِنُ بِقَوْلِ مَا تَلَقَّنَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَكْتُوبِ غَيْرِ قُرْآنٍ، أَمَّا فِي الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ) وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ، فَقِيلَ مَا يَحْصُلُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَبِيَدَيْنِ كَثِيرٌ، وَقِيلَ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ مِنْ بَعِيدٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ أَنَّهُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَشُكَّ أَنَّهُ فِيهَا فَقَلِيلٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ. وَقِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْمُصَلِّي إنْ اسْتَكْثَرَهُ فَكَثِيرُهُ مُفْسِدٌ وَإِلَّا لَا.

قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>