للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكُلُّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْجُدْهَا فِيهَا لَمْ تُقْضَ خَارِجَ الصَّلَاةِ)؛ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ وَلَهَا مَزِيَّةُ الصَّلَاةِ، فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ

اخْتِلَافَهُمْ فِي السَّبَبِ عَلَى السَّامِعِ أَهُوَ السَّمَاعُ أَوْ التِّلَاوَةُ يُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ فِي السُّجُودِ عَلَى الْخَارِجِ، بِخِلَافِ السَّمَاعِ فِي الصَّلَاةِ لِتِلَاوَةِ مَنْ لَيْسَ فِيهَا، فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنْ لَا يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ إذْ النَّظَرُ إلَى كَوْنِ السَّبَبِ التِّلَاوَةَ يَمْنَعُهَا فِيهَا، وَإِلَى كَوْنِهِ السَّمَاعَ يُوجِبُهَا فِيهَا. وَالْوَاجِبُ صَوْنُ الصَّلَاةِ عَنْ الزَّوَائِدِ إلَّا مَا لَا شَكَّ فِي شَرْعِيَّتِهِ فِيهَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّ سَجْدَةٍ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ بِتِلَاوَةِ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ: وَلَهَا مَزِيَّةٌ) أَيْ لِلصَّلَوِيَّةِ مَزِيَّةٌ لِتَأَدِّيهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، فَوُجُوبُ تَأَدِّيهَا فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِتَأْدِيَةِ مَا وَجَبَ؟ كَامِلًا نَاقِصًا؟، وَهُوَ عِلَّةُ عَدَمِ قَضَائِهَا خَارِجَهَا بِالتَّحْقِيقِ لَا مُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهَا صَلَوِيَّةً، وَمُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ تَأْخِيرِهَا مِنْ رَكْعَةٍ إلَى رَكْعَةٍ بَعْدَ أَنْ لَا يُخْلِيَ الصَّلَاةَ عَنْهَا، وَقَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فِي رُكْنٍ فَسَجَدَ لَهَا لَا يُعِيدُهُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا بَعْدَ التَّذَكُّرِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّأْخِيرِ، بَلْ الْمُرَادُ أَجْزَأَتْهُ السَّجْدَةُ آخِرَ الصَّلَاةِ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ فِي فَصْلِ بَيَانِ وَقْتِ أَدَائِهَا، وَأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا حَتَّى طَالَتْ التِّلَاوَةُ تَصِيرُ قَضَاءً وَيَأْثَمُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ صَارَتْ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مُلْحَقَةً بِنَفْسِ التِّلَاوَةِ فَلِذَا فُعِلَتْ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ بَلْ زَائِدَةً، بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّلَوِيَّةِ، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ بَلْ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَتَحَقَّقُ عَدَمُ السُّجُودِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَكَذَا تَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ الرُّكُوعِ؟ قُلْنَا: مُرَادُهُ إذَا سَجَدَ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى لَوْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَرَكَعَ أَوْ سَجَدَ صُلْبِيَّةً يَنْوِي بِهَا التِّلَاوَةَ لَمْ تُجْزِ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا فَلَا تَتَأَدَّى فِي ضِمْنِ الْغَيْرِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ سَوْقِ عِبَارَتِهِ. قَالَ: رَجُلٌ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ فِي آخِرِ السُّورَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ آخِرِهَا بَعْدَهَا آيَةٌ أَوْ آيَتَانِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَكَعَ بِهَا يَنْوِي التِّلَاوَةَ، وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيَخْتِمُ السُّورَةَ، وَإِنْ وَصَلَ بِهَا سُورَةً أُخْرَى كَانَ أَفْضَلَ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلتِّلَاوَةِ عَلَى الْفَوْرِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ لِصَلَاتِهِ تَسْقُطُ عَنْهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَا يَنْقَطِعُ الْفَوْرُ، وَلَوْ رَكَعَ لِصَلَاتِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَسَجَدَ تَسْقُطُ عَنْهُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ نَوَى فِي السَّجْدَةِ السَّجْدَةَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَلِذَا إذَا قَرَأَ بَعْدَهَا آيَتَيْنِ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ: لَا بُدَّ لِلرُّكُوعِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى يَنُوبَ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَإِنْ قَرَأَ بَعْدَ السَّجْدَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَرَكَعَ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: يَنْقَطِعُ الْفَوْرُ وَلَا يَنُوبُ الرُّكُوعُ عَنْ السَّجْدَةِ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا يَنْقَطِعُ مَا لَمْ يَقْرَأْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَسْجُدَ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ صَرَّحُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>