أَمَّا الصَّبِيُّ فَمَسْلُوبُ الْأَهْلِيَّةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ، وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَيَصْلُحُونَ لِلِاقْتِدَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
(وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْجُمُعَةَ هِيَ الْفَرِيضَةُ أَصَالَةً. وَالظُّهْرُ كَالْبَدَلِ عَنْهَا، وَلَا مَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ. وَلَنَا أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ هُوَ الظُّهْرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِسْقَاطِهِ
قَوْلُهُ: كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ) لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَصَحَّتْ الظُّهْرُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْفَرْضَ الْقَطْعِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مُرْتَكِبًا مُحَرَّمًا، غَيْرَ أَنَّ الظُّهْرَ تَقَعُ صَحِيحَةً وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ مُعَاقَبٌ بِتَرْكِهَا، وَمَنْهِيٌّ عَنْ أَدَاءِ الظُّهْرِ مَأْمُورٌ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَهَذَا هُوَ صُورَةُ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْبَدَلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ.
قُلْنَا: بَلْ فَرْضُ الْوَقْتِ الظُّهْرُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ «وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ مُطْلَقًا فِي الْأَيَّامِ» وَدَلَالَةُ الْإِجْمَاعِ أَعْنِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ الظُّهْرَ لِمَا نَوَى الْقَضَاءَ، وَالْمَعْقُولُ إذْ أَصْلُ الْفَرْضِ فِي حَقِّ الْكُلِّ مَا يَتَمَكَّنُ كُلٌّ مِنْ أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ، فَمَا قَرُبَ إلَى وُسْعِهِ فَهُوَ أَحَقُّ وَالظُّهْرُ أَقْرَبُ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ؛ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الشَّرَائِطِ لَا تَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ، وَتِلْكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا بِاخْتِيَارِ آخَرِينَ كَاخْتِيَارِ السُّلْطَانِ وَقُدْرَتِهِ فِي الْأَمْرِ، وَاخْتِيَارِ آخَرَ وَآخَرَ لِيَحْصُلَ بِهِ مَعَهُمَا الْجَمَاعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَكَانَ الظُّهْرُ أَوْلَى بِالْأَصْلِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ مُفَادُهُ أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ ظُهْرٍ يَدْخُلُ حِينَ تَزُولُ وَالْمَطْلُوبُ أَنَّ كُلَّ مَا زَالَتْ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَإِنَّمَا يُفَادُ بِعَكْسِ الِاسْتِقَامَةِ لَهَا وَهُوَ لَا يَثْبُتُ كُلِّيًّا. سَلَّمْنَاهُ، لَكِنَّ خُرُوجَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ تِلْكَ الْكُلِّيَّةِ أَعْنِي الْعَكْسَ مَعْلُومٌ قَطْعًا مِنْ الشَّرْعِ لِلْقَطْعِ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَرْكِهَا إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute