للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا.

(وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَعْذُورُونَ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ، وَكَذَا أَهْلُ السِّجْنِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ إذْ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ، وَالْمَعْذُورُ قَدْ يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ (وَلَوْ صَلَّى قَوْمٌ أَجْزَأَهُمْ) لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ.

(وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَهُ) وَبَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لِقَوْلِهِ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ

الِاحْتِيَاطَ فِي الْجُمُعَةِ نَقْضُ الظُّهْرِ لِلُزُومِ الِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِهَا، وَهُوَ بِهِ فَيَنْزِلُ مَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا مَنْزِلَتَهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيلِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ السَّعْيُ مِنْ خَصَائِصِهَا؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِهِ فِيهَا وَنُهِيَ عَنْهُ فِي غَيْرِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ وَقَالَ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ» الْحَدِيثَ. فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِهِ كَالِاشْتِغَالِ بِهَا، فَالنَّقْضُ بِهَا إقَامَةٌ لِلسَّبَبِ الْعَادِي مَقَامَ الْمُسَبِّبِ احْتِيَاطًا وَمُكْنَةُ الْوُصُولِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى قُدْرَةِ اللَّهِ، وَهِيَ تَكْفِي لِلتَّكْلِيفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السَّعْيُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إلَيْهَا وَلَا إمْكَانَ لِلْوُصُولِ، هَذَا التَّقْرِيرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّعْيِ مَا يُقَابِلُ الْمَشْيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَذَا الْبُطْلَانُ غَيْرُ مُقْتَصَرٍ عَلَى السَّعْيِ بَلْ لَوْ خَرَجَ مَاشِيًا أَقْصِدُ مَشَى بَطَلَتْ؛ أَلَا يَرَى أَنَّهُمْ أَوْرَدُوا الْفَرْقَ بَيْنَ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَتَوَجُّهِ الْقَارِنِ إلَى عَرَفَاتٍ حَيْثُ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ عُمْرَتُهُ حَتَّى يَقِفَ بِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَا مَأْمُورٌ بِهِ فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ جَامِعُ السَّعْيِ مَنْصُوصًا لِيَطْلُبَ وَجْهَ الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ الْجَامِعِ. فَالْحَقُّ فِي التَّقْرِيرِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بَعْدَ إتْمَامِ الظُّهْرِ بِنَقْضِهَا بِالذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ، فَذَهَابُهُ مَشْرُوعٌ فِي طَرِيقِ نَقْضِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ فَيُحْكَمُ بِنَقْضِهَا بِهِ احْتِيَاطًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّي الْمَعْذُورُ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ) قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَكَذَا بَعْدَهَا، وَمَنْ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فَصَلَّوْا الظُّهْرَ تُكْرَهُ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ إذْ هِيَ جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ) هَذَا الْوَجْهُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ الْوَاحِدِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا، فَوَجْهُهُ أَنَّهُ رُبَّمَا يَتَطَرَّقُ غَيْرُ الْمَعْذُورِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَأَيْضًا فِيهِ صُورَةُ مُعَارَضَةِ الْجُمُعَةِ بِإِقَامَةِ غَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ ) أَخْرَجَ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالسَّبْعِينَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>