ولا أجد في تاريخ الفقه الإسلامي واقعة أشبه بواقعة التأمين من بيع الوفاء في أول ظهوره لا من حيث موضوع العقدين، بل من حيث الملابسات الخارجية والاختلافات التي أحاطت بكل منهما، فبيع الوفاء أيضا عقد جديد ذو خصائص وموضوع وغاية يختلف فيها عن كل عقد آخر من العقود المسماة المعروفة قبله لدى فقهاء الشريعة، وهو ينطوي على غاية يراها الفقهاء محرمة؛ لأنه يخفي وراءه ألوانا من الربا المستور، وهو الحصول على منفعة من وراء القرض حيث يدفع فيه الشخص مبلغا من النقود ويسميه ثمنا لعقار يسلمه صاحبه إلى دافع المبلغ الذي يسمى مشتريا للعقار؛ لينتفع به بالسكنى أو الإيجار بمقتضى الشراء بشرط أن صاحب العقار الذي يسمى في الظاهر بائعا متى وفى المبلغ المأخوذ على سبيل الثمنية استرد العقار، ونتيجة ذلك أن ما يسمى مشتريا بالوفاء لا يستطيع أن يتصرف بالعقار الذي اشتراه، بل عليه الاحتفاظ بعينه كالمرهون؛ لأنه سوف يكلف رده لصاحبه متى أعاد إليه الثمن ولكل منهما الرجوع عن هذا العقد، أي: فسخه وطلب التراد ولو حددت له المدة.
هذه خلاصة بيع الوفاء الذي تعارفه الناس في بخارى وبلخ في القرن الخامس الهجري وثارت حوله اختلافات عظيمة بين فقهاء العصر إذ ذاك حول جوازه ومنعه وتخريجه، أي: تكييفه، أعظم مما هو واقع اليوم في عقد التأمين.
أ - فمن الفقهاء من نظر إلى صورته فاعتبره بيعا، وطبق عليه شرائط البيع فاعتبره بيعا فاسدا، لأن الشرط المقترن به مفسد وأفتى فيه بذلك.