للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها حكم المسافر.

فالفريق الأول: احتجوا لمذهبهم بما روي «أنه عليه الصلاة والسلام أقام بمكة ثلاثا يقصر في عمرته» وهذا ليس فيه حجة على أنه النهاية للتقصير، وإنما فيه حجة على أن يقصر في الثلاثة فما دونها.

والفريق الثاني: احتجوا لمذهبهم بما «روي أنه أقام بمكة عام الفتح مقصرا، وذلك نحو من خمسة عشر يوما (١) » في بعض الروايات، وقد روي «سبعة عشر يوما» «وثمانية عشر يوما» «وتسعة عشر يوما، (٢) » رواه البخاري عن ابن عباس، وبكل قال فريق.

والفريق الثالث: احتجوا بمقامه في حجه بمكة مقصرا أربعة أيام، وقد احتجت المالكية لمذهبها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمهاجر ثلاثة أيام بمكة مقاما بعد قضاء نسكه (٣) » فدل هذا عندهم على أن إقامته ثلاثة أيام ليست تسلب عن المقيم فيها اسم السفر، وهي النكتة التي ذهب الجميع إليها، وراموا استنباطها من فعله عليه الصلاة والسلام: أعني: متى يرتفع عنه بقصد الإقامة اسم السفر، ولذلك اتفقوا على أنه إن كانت الإقامة مدة لا يرتفع فيها عنه اسم السفر بحسب رأي واحد منهم في تلك المدة وعاقه عائق عن السفر أنه يقصر أبدا وإن أقام ما شاء الله.

ومن راعى الزمان الأقل من مقامه تأول مقامه في الزمان الأكثر مما ادعاه خصمه على هذه الجهة، فقالت المالكية مثلا: إن الخمسة عشر يوما التي أقامها عليه الصلاة والسلام عام الفتح إنما أقامها وهو أبدا ينوي ألا يقيم أربعة أيام، وهذا بعينه يلزمهم في الزمان الذي حدوه. والأشبه في المجتهد في هذا أن يسلك أحد أمرين: إما أن يجعل الحكم لأكثر الزمان الذي روي


(١) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٦) .
(٢) صحيح البخاري المغازي (٤٢٩٨) ، سنن الترمذي الجمعة (٥٤٩) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٥) .
(٣) صحيح البخاري المناقب (٣٩٣٣) ، صحيح مسلم الحج (١٣٥٢) ، سنن الترمذي الحج (٩٤٩) ، سنن النسائي تقصير الصلاة في السفر (١٤٥٤) ، سنن أبو داود المناسك (٢٠٢٢) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٣) ، مسند أحمد بن حنبل (٥/٥٢) ، سنن الدارمي الصلاة (١٥١١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>