للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ الآيَةِ الثَّالِثَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ١.

قَدْ زَعَمَ مَنْ قَلَّ فَهْمُهُ، مِنْ نَقَلَةِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمَّا نَزَلَتِ امْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ مُخَالَطَةِ الْيَتَامَى فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} ٢. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِ قَائِلِهِ بِالتَّفْسِيرِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ أَيَرَاهُ يُجَوِّزُ قُرْبَ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ نَسْخٌ وَإِنَّمَا الْمَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْلِطُونَ طَعَامَهُمْ بِطَعَامِ الْيَتَامَى، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَزَلُوا طَعَامَهُمْ عَنْ طَعَامِهِمْ، وَكَانَ يَفْضُلُ الشَّيْءُ فَيَفْسَدُ، فَنَزَلَ قوله: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} ٣ فَأَمَّا أَنْ تُدْعَى نَسْخٌ فَكَلا...٤.


١ الآية (٣٤) من سورة الإسراء.
قلت: وكان من المفروض أن يقدم هذه الآية على التي قبلها، كي تكون مرتبة الأرقام حسبما التزم المؤلف في مقدمة الكتاب.
٢ الآية (٢٢٠) من سورة البقرة.
٣ الآية (٢٢٠) من سورة البقرة.
٤ انظر إن شئت ما ذكره المؤلف في تفسير آية (١٥٢) من سورة الأنعام من زاد المسير عن مال اليتيم. وأما دعوى النسخ في هذه الآية فقد أعرض عنه المؤلف في تفسيره، ومختصر عمدة الراسخ، وذكر النحاس ما يشير إلى النسخ عن قتادة، كما ذكر ذلك مكي بن أبي طالب عن مجاهد، ثم قال: والذي يوجبه النظم وعليه جماعة من العلماء، أنه غير منسوخ، لأنه قال تعالى: {إلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ففي هذا جواز مخالطتهم بالتي هي أحسن وهو قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِح} (٢٢٠) البقرة، فكلتا الآيتين يجوز مخالطة اليتيم، فلا يجوز أن تنسخ أحدهما الأخرى، لأنهما في معنى واحد. انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس (١٨٣)؛ والإيضاح (٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>