للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الطريقين الأولين، وسيرى من النظرة الأولى أن المنظر الإنساني الذي شاهده في المرة السابقة قد تغير كلية، ولكنه بقي محتفظا بشيء ثابت: فهو يتمثل مرة أخرى في صورة وحدتين محددتين تماما في المكان، بالتوزيع الجغرافي نفسه، أي في صورة قارتين يحدد كليهما محور جغرافي، الأولى محدودة بمحور طنجة جاكرتا، والثانية بمحور واشنطن موسكو.

وسيشعر الزائر هذه المرة مثل الأولى بانفصال داخلي يحدث في نفسه، عندما ينتقل من محور إلى آخر كأنه عبر حدودا تفصل بين عالمين مختلفين: إن الأنطباعات التي ينطبع بها الزائر تتغير تماماً تبعاً للاوضاع التي تتغير فعلاً مع النموذج الاجتماعي الذي يعيش فيها.

ولكن الظاهرة تبدو الآن في ضوء جديد: إن نسبة الحظ والشر المادي، أو مستوى المعيشة كما نقول اليوم، كانت في المرحلة الأولى لحساب الإنسان الذي يعيش على محور واشنطن موسكو، فها هي ذي الآن لحساب الإنسان الذي يعيش على محور طنجة جاكرتا، فقبل ألف سنة نجد التوزيع الجغرافي نفسه في صورة قارتين، ولكن التوزيع الاجتماعي في المرة الثانية يختلف تماما عن الصورة التي رآها الزائر في المرة الأولى، وكأن هذا الاختلاف الذي وقع اليوم لحساب النموذج الاجتماعي، الذي يعيش في القارة الشمالية، كان قبل ألف سنة لحساب النموذج الذي يعيش في قارة الجنوب: إنه كان من الأنسب أن يولد الإنسان على محور طنجة- جاكرتا، إذ كان يجد في مهده حظاً أسعد وعيشاً أرغد ومصيراً أضمن، لأن الأوضاع الموجودة إذ ذاك على هذا المحور، كانت تحقق للفرد الذي يولد هناك الضمانات الاجتماعية، التي يتمتع بها الفرد الذي يولد اليوم على المحور الشمالي، وقد تزداد هذه الملاحظة دلالة إذا ما ذهب الزائر في استكشافه أبعد من ذلك على هذا المحور، إذ يشاهد أميركا الجنوبية قبل كريستوف كولومب، عندما كان يعيش فيها النموذج الاجتماعي، الذي صنع حضارة المكسيك وحضارة

<<  <   >  >>