فهذا الجدول يرسم في الواقع الصورة الراهنة للعالم، ويكشف عن جميع القوى التي توجه التاريخ وتكيف مصير الإنسان؛ والنظرة المتأملة فيه يمكنها أن تستخلص منه بعض الاستنتاجات، المتصلة بإمكان تلاقي التيارين اللذين يصورهما هذا الجدول، واجتماعها في تيار يوحد الإنسانية، أي في النقطة التي يبدو أنها قطب التاريخ، أي النقطة التي تتوق إليها كل قوى التاريخ على الرغم مما فيها من متناقضات، وإذا أدركنا أن التضامن الإفريقي الآسيوي في صورته السياسية، التي عبر عنها مؤتمر باندونج، هو إحدى هذه التناقضات التي تعبر عن البناء المزدوج للعالم، في الصورة التي كان ينظر إليها (جول فرن) عندما كان يكتب قصته المشهورة (ميشل ستروجف)، القصة التي كان يؤلفها هذا الكاتب الفرنسي لتمجيد البطولة في موجة الإستعمار الروسي، عندما انطلقت روسيا القيصرية تتوسع في القارة الآسيوية، فإذا كان التضامن الإفريقي الآسيوي في النظرة الأولى، يبدو وكأنه قوة تواجه التضامن الإستعماري، ويعيد هكذا للعالم بناءه المزدوج، فإن النظرة الفاحصة تبين أنه يعيد له هذه الصورة في نقطة انتقال فقط، أي في صورة مؤقتة ينتقل منها إلى صورة متحررة، من الإستعمار ومن القابلية للاستعمار، في مرحلة تطورية معينة، لابد أن تجتازها الإنسانية التي تهدف إلى توحيد بنائها.