الغربية وسييسيا وإنكلترا وإلى حد ما في أميركا. ولو أني سرت مع التاريخ قليلا ووقفت عند سنة ١٩٠٠م ونظرت نظرتي السابقة، فإني سأجد البقعة لم تتغير وإنما اتسعت. فكأن الظاهرة بدأت تتسع لأن الإقتصاد في حركة لا تعرف الجمود. فهو قد انتشر شرقا في روسيا وغربا في أميركا. والأمر في سنة ١٩٠٥ قد انتشر قليلاً عن ذي قبل ولكنه بلغ مساحة كبيرة جداً في سنة ١٩٥٠. فلو أني رسمت خريطة سنة ١٩٠٥ لوجدت أن متوسط الدخل السنوي المرتفع قد انتشر من سان فرنسيسكو إلى طوكيو مثلاً. فمتوسط الدخل السنوي فوق ٢٠٠ دولار لم يتزحزح عن مكانه، وإنما اتسع فقط. فكأنه زلزال حدث في منتصف القرن الثامن عشر أو بدئه، في وسط أوربا بين برلين وباريس ولانكشير ولندن، وامتدت تموجاته واتسعت، ولكنها لم تتسع في جميع الاتجاهات، فكأن التمهوجات موجهة لتتجه في اتجاهات معينة، لو دققنا النظر لوجدناها اتجاهات الحضارة الغربية، فقد اتسع الإقتصاد واتسعت رقعته في خريطة الحضارة الغربية.
ودليلي على ذلك أنني لو رجعت إلى الوراء، لأستخرج هذه المرة خريطة الحضارة الغربية لا خريطة الإقتصاد لسنة ١٨٤٨ و١٩٠٠ و١٩٤٠، لوجدت تطابقا تاما بين الخريطة الإقتصادية وخريطة فكرة الحضارة الغربية، وما ذلك إلا لأن الظاهرة الإقتصادية صورة للحضارة الغربية. فمراحل الظاهرة الإقتصادية هي مراحل الحضارة الغربية فقط. ونستطيع أن نستنتج من هذا التحليل شيئا: فالإنسان الذي لا يكون مجتمعه مجتمع حضارة، معرض للحرمان من الضمانات الاجتماعية. فأنا حينما أحاول تحديد مجتمع أفضل فإننى أحاول تحديد أسلوب حضارة. إذ أنني حينما أحقق الحضارة، أحقق جميع شروط الحياة، والأسباب التي تأتي بمتوسط الدخل المرتفع، بمعنى أنني أحقق الخريطة الإقتصادية، ونتائجها الاجتماعية والثقافية أيضا.
ومن هنا نرى أنه ينبغي أن نبحث المسألة من زاوية واحدة. ولقد كنا من