للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلامي، عندما حركت الوعي في روح طاهر نقي هو روح جمال الدين الأفغاني. غير أنه للأسف لم تحرك فينا ساكناً، فسرنا في الطريق رويداً رويداً ولا نصل بعد. فإذا فعلنا في الطريق وماذا فعلت اليابان؟

إن اليابان قد بنى مجتمعاً متحضراً، فهو قد دخل الأشياء من أبوابها. وطلب الأشياء بوصفها حاجة، درس الحضارة الغربية بالنسبة لحاجاته، وليس بالنسبة لشهواته. فلم يصبح من زبائن الحضارة الغربية يدفع لها أمواله وأخلاقه. أما نحن فقد أخذنا منها كل رذيلة، وأحياناً نأخذ منها بعض الأشياء الطيبة التي قدرها الله لنا.

فما هو معنى سيرنا؟ وما هو معنى سير اليابان؟

إننا إذا عبرنا بالتعبير الصحيح، أعني بمصطلح له معنى اجتماعي، فإن اليابان قد سارت في الطريق لعمل نسميه البناء. فقد قامت خلال نصف قرن من سنة ١٨٦٨ إلى سنة ١٩٠٥ ببناء مجتمع، ونحن كدّسنا عناصر مجتمع.

ولسائل هنا أن يسأل: ترى ما معنى التكديس وما الفرق بينه وبين البناء؟

هناك فروق كبيرة وهي عظيمة، أظنكم بعد الذي قدمت من الحديث تشعرون بها، تشعرون بالفرق بين البناء الذي يحقق النتائج عاجلاً والتكديس الذي ربما يأتي بنتيجة. فلعله يصادف يوم يخرج من التكديس شيئاً، والتكديس في الحقيقة ظاهرة اجتماعية، فإنه يحصل أن تكدس المجتمعات في مرحلة من مراحلها، ولكنها ليست في مراحل نهضتها، وإنما في عصور انحطاطها، لأنها في هذه المرحلة لا تفكر ولا تنظم أعمالها طبق أفكار وقوانين، وإنما تكدس الأشياء: وحتى ندرك أثر التكديس في المجتمع نفترض أننا كدسنا عناصر البناء لعمارة معينة: كدسنا من الحجر والإسمنت والخشب والحديد مئات

<<  <   >  >>