إليها. ولا شك فإن هذا الإنسان بين قوتين: قوى سلبية تريد إرجاعه إلى الوراء باستغلالها طبيعة الاستقرار في الإنسان، وقوى إيجابية تدفعه إلى الامام وإلى تحقيق مستقبله، فينبغي ألا تضعف القوى الإيجابية فينا عن الوصول إلى الحضارة.
ولكن ما هي الطرق التي ندخل بها إلى الحضارة؟ أو نعود بها إليها؟
إن أول الابواب إلى الحضارة أن نواجه المشكلات مستبشرين لا متشائمين،
فإذا ما واجهنا الامور متشائمين فقد أصبحت في حكم استحالة، ومن العبث أن نفكر بأننا نستطيع التغلب على المستحيل. وهذا ذهان مَرّ بنا نحن، فقد أصبحنا نقول مسبقاً إذا ما سئلنا لماذا لا تفعلون هذا الأمر؟ إنه مستحيل.
ويقابل هذا في الخطورة نفسية التساهل، إذا ما نظرنا إلى الأشياء على أنها
أمر تافه لا قيمة له. فقد نظرنا إلى اليهود ونحن في الجزائر نظرة احتقار، فلم نقدر قوتهم بينما هي واضحة وخاصة في المجال السياسي والإقتصادي، فقد نعلم أن دول أميركا وإنجلترا وفرنسا تؤيد اليهود. ومع ذلك فقد قلنا حثالة حقيرة، حينما ننفخ عليهم نفخة واحدة يطيرون، ولكنهم للاسف لم يطيروا.
فينبغي علينا أن نتخلص من نفسية المستحيل ونفسية التساهل، فليس هناك شيء سهل وليس هناك شيء مستحيل.
ثم إن الباب الثاني الذي ينبغي أن نعود منه للحضارة هو باب الواجب،
وأن نركز منطقنا الاجتماعي والسياسي والثقافي على القيام بالواجب، أكثر من تركيزنا على الرغبة في نيل الحقوق، لأن كل فرد بطبيعته توّاق إلى نيل الحق، ونفور من القيام بالواجب، إذن لسنا نريد من الفرد أن يطالب بحقوقه، فالطبيعة بحقوقه كفيل. بل ينبغي على متثقفينا وسياسيينا ومن يمثل كل سلطة أن يوجهوا الهمم إلى الواجب ..