في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عشر من الفطرة)) الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هي الخلقة، أصل الخلقة التي خلق الله عباده عليها، وجبلهم عليها، ومنهم من يقول: الدين؛ لأن الله -جل وعلا- فطرهم على الدين، ما من مولود إلا يولد على الفطرة، يعني على الملة وعلى الدين، لكن المؤثرات بعد الولادة تجتاله عن هذا الدين وعن هذه الفطرة، عشر من الفطرة، يعني عشر خصال من الفطرة، قص الشارب، وإعفاء اللحية التي هي من سمة الرجال، وقد أمرنا بإعفاء الشوارب، وإعفاء اللحى، فلا يليق بالمسلم أن يرسل شاربه؛ لأنه يجتمع فيه أوساخ وأقذار، ويقع فيما يشرب، وفيما يؤكل، وينزل من الأنف أشياء، فهو واسطة بين الأنف وبين الفم، فينبغي أن ينظف، وكذلك إعفاء اللحية، وقد جاءت الأوامر الشرعية بإعفائها وإكرامها، وجاء في وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان كث اللحية، وتعرف قراءته من خلفه باضطراب لحيته، وهذا هو الثابت المرفوع عنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء عن بعض الصحابة كابن عمر أنهم يأخذون من اللحية ما زاد على القبضة، لا سيما في النسك، ابن عمر -رضي الله عنه- ثبت عنه أنه كان يأخذ منه ما زاد على القبضة، ويتأول قوله -جل وعلا-: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(٢٧) سورة الفتح] يعني في آنٍ واحد، فالواو عنده هذه للجمع وليست للتقسيم، يعني ما هو محلقين بعضكم محلق وبعضكم مقصر، ليست للتقسيم ولا للتنويع، إنما هي للجمع، هذا فهمه -رضي الله عنه-، فإذا كان الرأس بيحلق إيش يبقى؟ إيش يقصر لو حلق الرأس؟ لا بد يقصر اللحية، هذا فهمه -رضي الله تعالى عنه-، والذي عندنا في الباب من النصوص المرفوعة هو إعفاء اللحية، وتوفير اللحية، وإكرام اللحية، ولا تقابل مثل هذه النصوص بما نقل عن أي شخص كائناً من كان؛ لأن الموقوف لا يقابل المرفوع أبداً، وما استمرئ الناس حلق اللحى حتى تساهلوا في القص، والقص ما له نهاية، وليتهم اقتصروا على القبضة، إنما المسألة خطوات، إذا دخل المقص دخل الموس، تجدون علماء كبار فحول في الأقطار تساهلوا في هذا الأمر، وقصوا ما زاد على