هذا الحديث حديث أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء)) الناس صنفان إما صالح وإما سيء، الجليس الصالح له مثل، والجليس السيء والسوء له مثل، فمثل الجليس الصالح كحامل المسك، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير، وهذا من اللف والنشر المرتب، ولك الخيار، هل تريد أن تجلس عند حامل المسك أو عند نافخ كير؟ لا شك أن كل ذي عقلٍ سوي يفضل حامل المسك، ويبتعد عن نافخ الكير؛ لأنه الجو حار، والشرارة متطاير يحرق الثياب، والرائحة كريهة، والدخان يزكم الأنوف، ومن كل وجه، وأما حامل المسك فخير على خير، أقل الأحوال أن تبتاع منه شيئاً يسرك؛ لأن مما يسر في هذه الدنيا الطيب، وقد حبب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من الدنيا النساء والطيب، فحامل المسك إما أن يحذيك، إما أن يعطيك هدية، وإما أن تبتاع منه بالمقابل دراهم، وأقل الأحوال أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق الثياب من هذا الشرر المتطاير، وقد يخلص هذا الشرر إلى الجلد فيحرقه، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة، لن تسلم، وهكذا الجلساء، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [(٢٨) سورة الكهف] هؤلاء هم الجلساء الصالحون، مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، أهل الذكر أهل الفضل أهل الخير أهل الاستقامة الذين أقل أحوالك أن لا تزاول ما يغضب الله في مدة مكثك معهم، هذا أقل الأحوال، وإذا ذكروا الله وذكرت الله معهم، إذا نسيت عن شيءٍ وغفلت عنه ذكروك هؤلاء خير على خير، بخلاف الجليس السيء الذين إن أردت عملاً صالحاً ثبطك، وإذا ذكرت الله -جل وعلا- صرفك، فمثل هذا يبتعد عنه، والإنسان يحرص على ما ينفعه في أمور دينه ودنياه، فالجليس السيء لن يقدم إلا ما يضر في الدين والدينا، والجليس الصالح يقدم لك ما ينفعك، والجليس الصالح والأمر بمجالسته من متطلبات الجنة، والجليس السيء الذي تغفل بسببه عن ذكر الله، وعن طاعة الله، وقد تقع في بعض المحرمات من متطلبات أو من دواعي وأسباب النار، والجنة حفت بالمكاره،