نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوا منه ما استطعتم؛ لأن الإنسان قد يضعف أمام بعض المنهيات، تحمله نفسه على ارتكاب بعض المحرمات؛ لكن هذا ما فيه خيار، ارتكب، ارتكب حرام، ما يقول: والله غالبتني نفسي وعجزت اصبر، ما في، اجتنبوه، بينما المأمور أتوا منه ما استطعتم، وهذا يدل على أن شأن المنهي أعظم من شأن المأمور به، وهذا مأخوذ من هذا الحديث، وعليه جلّ أهل العلم، ولذا يقررون أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، تبعاً لهذا، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يرى العكس، أن ترك المأمور أعظم من ارتكاب المحظور، بدليل أن معصية آدم ارتكاب محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، ومعصية إبليس أعظم من معصية آدم؛ لكن لعل الصواب لا هذا ولا هذا؛ لأن المأمورات متفاوتة، والمحظورات متفاوتة، فإذا تعارض مأمور ومحظور ننظر في حجم هذا المحظور، وحجم هذا المأمور، يعني ننظر في هذا المأمور، هل هو من عظائم الأمور؟ وننظر في المحظور هل هو من الموبقات أو دونها؟ المثال يوضح: أنت مأمور بأداء الصلاة مع الجماعة في المسجد، مأمور بأداء الصلاة في المسجد، في طريقك إلى المسجد شباب مكلفون جالسين في الشارع تقول لهم: صلوا، يقولوا: محنا مصلين، هذا منكر لا تستطيع إزالته، هل نقول: أنت ترتكب المحظور لأنك تمر مع منكر لا تستطيع إزالته، إذاً اجلس في بيتك ولا تصلي مع الجماعة؟ لا، نقول: ارتكب هذا المحظور؛ لأنك لا تستطيع وافعل المأمور؛ لكن لو كان في طريقك إلى المسجد بغي ومعها ظالم يلزم كل من مر مع هذا الطريق أن يقع على هذه البغية، نقول: افعل المأمور ولو ترتب عليه ارتكاب محظور؛ لأنك مأمور بأداء الصلاة مع الجماعة؟ لا، لا، نقول: صلي في بيتك؛ لأن المحظور أعظم من هذا المأمور، بخلاف المحظور الأول أقل من المأمور، فهذه الأمور تتفاوت ينظر إلى كل مسألةٍ بعينها، والمفاضلة هنا تقع.
الحديث الثاني والثمانون: عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)) [متفق عليه].