المقصود أن عندنا أخبار جوامع، سلك مسلكه -عليه الصلاة والسلام- صحابته الكرام، فصاروا يبينون للناس ما ينبغي بيانه، وما أخذ عليهم العهد في بيانه بأوجز عبارة، وسلف الأمة كلهم على هذا، يعني من قارن بين فتاوى الصحابة بفتاوى من جاء بعدهم، وكذلك الأئمة المتقدمون وجد البون الشاسع، تجد الإمام من أئمة السلف يجيب بكلمة أو بجملة ويبسطها المتأخر في رسالة أو في جزء، وقد أوضح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في كتابه (فضل علم السلف على الخلف) هذا الباب أتم إيضاح، وبيّن أن سلف هذه الأمة لا يعنون بتشقيق الكلام، ولا توسيعه، ولا الاستطراد، إنما يعنون ببيان ما يحتاج إلى بيانه مع عدم التكلف في الكلام، ولذا يقول -رحمه الله عليه-: "من فضّل عالماً على آخر بكثرة كلامه فقد فضل الخلف على السلف" نعم، قد تدعو الحاجة إلى مزيد البسط والبيان؛ لأن المستفتي قد لا يفهم المراد بالعبارة الموجزة، وكذلك الموجه والمنصوح قد لا يتبين من خلال الكلام الوجيز، وقد يكون الكلام مرتب بمقدمات ونتائج بحيث لا تفهم النتائج إلا إذا بسطت المقدمات، كما يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، يبسط الكلام، ولا نقول: أن هذا استطراد لا حاجة له، بل الحاجة داعية إليه؛ لأن الناس في عصره يحتاجون إلى مثل هذا، بينما عندنا في عصرنا تجد الإنسان يتمحل ويستطرد ويشقق ويذهب يميناً وشمالاً بما لا حاجة إليه، وتكبير الكتب ونفخها سمة هذا العصر، بحيث أخرجت بعض كتب السلف بطريقةٍ تصد عن تحصيلها والإفادة منها، فعلينا بالقصد، القصد القصد، وعلى هذا يوجه طالب العلم بالعناية بكتاب الله -جل وعلا-؛ لأنه يربيه على هذه الطريقة وبسنته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها هي المبينة للقرآن وموضحه له، وأيضاً كلام الأئمة الموثوقين المعتمدين الراسخين في العلم المعروفين بسلامة القصد وصحة العمل ممن يقرن العلم بالعمل، ومن المتأخرين فيما نحسب -والله يتولى الجميع- مؤلف هذا الكتاب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-.