للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ {٤٧} ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ {٤٨} ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ {٤٩} } [يوسف: ٤٦-٤٩] يُوسُفُ يعني يا يوسف {أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف: ٤٦] الكثير الصدق فيما يخبر به، وما بعد ذلك ظاهر إلى قوله تعالى: {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ} [يوسف: ٤٦] يعني: الملك، وأصحابه، والعلماء الذين جمعهم لتعبير رؤياه لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ كي يعرفوا ذلك، وقيل: لعلهم يعلمون فضلك وعلمك.

قال له يوسف: أما السبع بقرات السمان فإنهم سبع سنين مخصبات وذوات نعمة، وأنتم تزرعون فيها، وهو قوله قَالَ تَزْرَعُونَ أي: فازرعوا {سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا} [يوسف: ٤٧] قال ابن عباس: متوالية.

والدأب: استمرار الشيء على عادة، وهو دائب يفعل كذا، أي: استمر في فعله، وقد دأب يدأب دأبا ودأبا، والمعنى: زراعة متوالية في هذه السنين على عادتكم فَمَا حَصَدْتُمْ مما زرعتم {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف: ٤٧] يعني: ما أردتم أكله فدوسوه، ودعوا الباقي في السنبل، لأنه أبقى له وأبعد عن الفساد {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} [يوسف: ٤٨] يعني: سبع سنين مجدبات، والشداد: الصعاب التي تشتد على الناس يَأْكُلْنَ يذهبن ويفنين {مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف: ٤٨] في السنين المخصبة {إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ} [يوسف: ٤٨] تحرزون وتدخرون، والإحصان: إحراز الشيء، قوله: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ} [يوسف: ٤٩] الآية، قال قتادة: زاده الله علم عام لم يسألوه عنه.

وقوله: {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} [يوسف: ٤٩] يقال: غاث الله البلاد يغيثها غيثا.

إذا أنزل بها الغيث، ومعنى يغاث الناس: يمطرون ويسقون الغيث وَفِيهِ يَعْصِرُونَ من السمسم دهنا، ومن العنب عصيرا، ومن الزيتون زيتا للخصب الذي آتاهم كما كانوا يعصرون أيام الخصب، فلما رجع الرسول إلى الملك وأخبره بما أفتاه به يوسف عرف الملك أن ذلك التأويل صحيح، فقال: ائتوني الذي عبر رؤياي، فهو قوله: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٠] {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: ٥٠] فجاء الرسول يوسف قال له: أجب الملك، فأبى أن يخرج مع الرسول حتى تبين براءته مما قذف به، فقال للرسول: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: ٥٠] يعني: الملك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ} [يوسف: ٥٠] ما حالهن وشأنهن؟ والمعنى: فاسأل الملك أن يتعرف ويسأل ما شأن تلك النسوة وحالهن ليعلم صحة براءتي، قال المفسرون: أشفق يوسف من أن يراه الملك بعين مشكوك في أمره، متهم بفاحشة، فأحب أن يراه بعد أن يزول عن قلبه ما كان فيه.

وقد استحسن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزم يوسف وصبره حين دعاه الملك فلم يبادر، وهو ما روي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له، حين أتاه الرسول فقال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: ٥٠] الآية، ولو كنت مكانه ولبثت في السجن طول ما لبثت لأسرعت الإجابة، وبادرتهم الباب، وما ابتغيت العذر، إن كان لحليما ذا أناة ".

٤٧٥ - أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُزَكِّي، نا أَبُو عَمْرِو بْنُ مَطَرٍ، نا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، نا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أنا

<<  <  ج: ص:  >  >>