قال الزجاج: ولم يفرد يوسف امرأة العزيز لحسن عشرة منه وأدب، فخلطها بالنسوة، وقوله:{إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}[يوسف: ٥٠] أي: أنه عالم بذلك وقادر على إظهار براءتي، قال المفسرون: فرجع الرسول إلى الملك برسالة يوسف، فدعا الملك النسوة وفيهن امرأة العزيز، فقال:{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {٥١} ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ {٥٢} وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ {٥٣} } [يوسف: ٥١-٥٣] مَا خَطْبُكُنَّ ما شأنكن وقصتكن {إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ}[يوسف: ٥١] قال ابن الأنباري: جمعهن في السؤال ليعلم عين المراودة.
{قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}[يوسف: ٥١] من زنا، أعلمنه براءة يوسف من الزنا، فقالت {امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ}[يوسف: ٥١] أي: ظهر وتبين ووضح وانكشف، قال الفراء: لما دعا النسوة فبرأنه، قالت: لم يبق إلا أن يقبل علي بالتقرير.
فأقرت.
فذلك قولها:{الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف: ٥١] في قوله {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي}[يوسف: ٢٦] فقال يوسف {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}[يوسف: ٥٢] يقول: ذلك الذي فعلت من ردي رسول الملك إليه في شأن النسوة ليعلم العزيز أني لم أخنه في زوجته بالغيب {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}[يوسف: ٥٢] لا يرشد كيد من خان أمانته، يعني: أنه يتضح في العاقبة بحرمان الهداية، ولما قال يوسف:{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}[يوسف: ٥٢] قال له جبريل عليه السلام: ولا حين هممت بها يا يوسف؟ فقال يوسف:{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي}[يوسف: ٥٣] قال ابن عباس: وما أزكي نفسي، خاف على نفسه التزكية، وتزكية النفس مما يذم وينهى عنه.
{إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[يوسف: ٥٣] بالقبيح وما لا يحب الله، وذلك لكثرة ما تشتهيه وتنازع إليه {إِلا مَا رَحِمَ}[يوسف: ٥٣] أي: من رحم رَبِّيَ فعصمه مما تدعوه إليه نفسه من القبيح، وما: يقع بمعنى مَن، قوله:{مَا طَابَ لَكُمْ}[النساء: ٣] ، ولما تبين للملك عذر يوسف، وعرف أمانته وكفايته وعلمه وعقله قال: {