للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإمهال وإطالة المدة، وهو نقيض الإعجال، يقول: أمهلهم وأطيل لهم مدة عمرهم ليتمادوا في المعاصي، {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: ١٨٣] قال ابن عباس: إن مكري شديد.

قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: ١٨٤] قال الحسن وقتادة: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام ليلا على الصفا يدعو قريشا فخذا فخذا، فيقول: يا بني فلان، يا بني فلان.

يحذرهم بأس الله وعقابه، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت حتى الصباح.

فأنزل الله هذه الآية وحثهم على التفكر في أمر الرسول ليعلموا أنه إنما دعا للإنذار لا لما نسبه إليه الجهال، والمعنى: أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة، والجنة حالة من الجنون، إن هو: ما محمد إلا نذير: منذر مخوف إياكم عذاب الله، {مُبِينٌ} [الأعراف: ١٨٤] يبين لكم الهدى وطريق الرشد، ثم حثهم على النظر المؤدي إلى العلم فقال: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: ١٨٥] ليستدلوا على أن لها صانعا مدبرا دبرها على ما أراد، ومضى تفسير ملكوت السموات والأرض في { [الأنعام، وقوله:] وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [سورة الأعراف: ١٨٥] أي: وفيما خلق الله من الأشياء كلها، قال ابن عباس: يريد من جليل وصغير.

{وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: ١٨٥] أي: وفي أن لعل آجالهم قريبة فيهلكوا على الكفر ويصيروا إلى النار، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ١٨٥] يعني: بأي كتاب غير ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصدقون؟ يعني: أنه لا نبي بعده ولا كتاب بعد كتابه، فإن لم يؤمنوا بكتابه لم يؤمنوا بكتاب بعده لأنه لا وحي بعده، ثم ذكر سبب إعراضهم عن الإيمان فقال: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: ١٨٦]

٣٧٦ - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى، أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَطَرٍ، أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ اللَّيْثِ الزِّيَادِيُّ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ عَائِشَةَ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، فَقَالَ نَصْرَانِيٌّ: تركس تركس، فَقَالَ عُمَرُ: مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي وَلا يُضِلُّ، قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، اللَّهُ خَلَقَكَ وَهُوَ أَضَلَّكَ وَهُوَ يُدْخِلُكَ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَوْلا قُرْبُ عَهْدٍ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ

وقوله: ويذرهم رفع بالاستئناف والانقطاع مما قبله، وقرأ أبو عمرو بالياء لتقدم اسم الله تعالى، وقرأ حمزة بالياء والجزم ووجه ذلك فيما يقول سيبويه: أنه عطف على موضع الفاء وما بعدها من قوله: {فَلا هَادِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>