للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا لَا يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» ، وَأَمَّا خَبَرُ «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَأَجَابُوا عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ ضَمِيرَ جِدَارِهِ لِجَارِهِ لِقُرْبِهِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ نَفْسِهِ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ لِمَنْعِ الضَّوْءِ وَالْهَوَاءِ، أَمَّا مَا لَا يُضَايَقُ فِيهِ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ بَلْ وَلِلْأَجْنَبِيِّ كَاسْتِنَادِهِ وَإِسْنَادِهِ مَتَاعًا لَا يَضُرُّ إلَى جِدَارِ غَيْرِهِ كَمَا لَهُ أَنْ يَسْتَضِيءَ بِنَارِهِ وَيَسْتَظِلَّ بِجِدَارِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ عِنَادٌ مَحْضٌ (حَتَّى رَجَعَا) أَيْ وَيَمْتَدُّ جَوَازُ الِانْتِفَاعَاتِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْإِذْنِ إلَى رُجُوعِ الشَّرِيكِ الْآذِنِ عَنْ إذْنِهِ فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهَا إعَارَةٌ فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهَا لَكِنْ لَا يَتَمَكَّنُ بَعْدَ وَضْعِ الْجُذُوعِ، وَالْبِنَاءِ عَلَيْهَا مِنْ قَلْعِهَا مَجَّانًا يُبْقِيهَا بِأَجْرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْعَارِيَّةِ وَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهَا مَعَ غَرَامِ أَرْشِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْمُسْتَعِيرِ بِتَفْرِيغِ مِلْكِهِ مِنْ مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجِدَارُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ فَتَحَ مَنْ لَا بَابَ لَهُ فِي السِّكَّةِ بَابًا فِيهَا بِإِذْنِ أَهْلِهَا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ بِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ فِي أَرْضٍ أَعَارَهَا لِبِنَاءٍ، أَوْ غِرَاسٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا فَرْقَ. انْتَهَى.

وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الرُّجُوعَ هُنَاكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقَلْعُ وَهُوَ خَسَارَةٌ فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ مَجَّانًا، بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لُزُومَ سَدِّ الْبَابِ، وَخَسَارَةُ فَتْحِهِ إنَّمَا تَرَتَّبَتْ عَلَى الْإِذْنِ لَا عَلَى الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّ فَتْحَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ وَإِنَّمَا الْمُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِاسْتِطْرَاقُ وَلَوْ أَرَادَ الشُّرَكَاءُ الرُّجُوعَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْجَنَاحِ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: يُشْبِهُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا سَبِيلَ إلَى قَلْعِهِ مَجَّانًا لِوَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَا إلَى قَلْعِهِ مَعَ غُرْمِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ، وَالشَّرِيكُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ وَلَا إلَى إبْقَائِهِ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ لَا أَجْرَ لَهُ

(وَلَمْ يَجُزْ إلْزَامُ بَعْضِ الشِّرْكَا بَعْضًا) مِنْهُمْ (عِمَارَةً) فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِتَضَرُّرِهِ بِتَكْلِيفِهِمَا، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَكَذَا لَا يُلْزَمُ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، نَعَمْ يُلْزَمُ بِإِجَارَتِهَا وَبِهَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ، وَأَمَّا الْأَشْجَارُ فَفِي الْمَطَالِبِ عَنْ الْجُورِيُّ أَنَّهُ يُلْزَمُ بِسَقْيِهَا اتِّفَاقًا وَعَنْ الْقَاضِي خِلَافُهُ (وَلَا أَنْ يَتْرُكَا) أَيْ وَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُهُ تَرْكَ الْعِمَارَةِ فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا (بِآلَتِهْ)

ــ

[حاشية العبادي]

مَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ

(قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الثَّانِيَ خَاصٌّ وَقَاعِدَةُ الْأُصُولِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ) يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ مَا ذُكِرَ وَإِنْ مَنَعَ الْمَالِكُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرَّوْضِ بِذَلِكَ فَقَالَ: وَلَهُ الِاسْتِنَادُ وَإِسْنَادُ الْمَتَاعِ وَإِلْصَاقُ جِدَارٍ بِهِ لَا يُثْقِلُهُ وَلَوْ مَنَعَ وَهَكَذَا جِدَارُ الْغَيْرِ اهـ (قَوْلُهُ: الْجِدَارُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ وَيَمْتَنِعُ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَتَحَ مَنْ لَا بَابَ إلَخْ) وَظَاهِرٌ أَنَّ مَنْ لَهُ فِيهَا بَابٌ حَيْثُ تَوَقَّفَ عَلَى إذْنِهِمْ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالشَّرِيكُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ) وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ رُجُوعَ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِي الْجَنَاحِ كَرُجُوعِ الْمُعِيرِ فِي غُرْمِ الْأَرْشِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَجَرٌ

(قَوْلُهُ: فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا) نَعَمْ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَقْفٍ، أَوْ مَحْجُورٍ وَطَلَبَ الْعِمَارَةَ لَزِمَ النَّاظِرَ، وَالْوَلِيَّ مُوَافَقَتُهُ إنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعِمَارَةِ فَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ النَّاظِرَ، أَوْ الْوَلِيَّ، وَالْمَصْلَحَةُ فِي الْعِمَارَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْآخَرَ مُوَافَقَتُهُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللُّزُومُ بَعِيدٌ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ وَاقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ الْعِمَارَةَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَوْ الْمَوْلَى بِأَنْ كَانَ لَوْ عُمِّرَ ذَلِكَ حَصَلَ مِنْ حِصَّةِ الْوَقْفِ، أَوْ الْمَوْلَى أَضْعَافُ مَا صَرَفَ فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ، وَالْوَلِيَّ الْعِمَارَةُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، وَالْمَوْلَى؟ فِيهِ نَظَرٌ

(قَوْلُهُ: وَلَا أَنْ يَتْرُكَا بِآلَتِهِ) قَالَ: ابْنُ الْمُقْرِي أَطْلَقَ الْحَاوِي

ــ

[حاشية الشربيني]

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ فِي سِكَّةٍ دَارٌ فِي وَسَطِهَا وَدَارٌ فِي آخِرِهَا فَلِمَنْ بَيْنَهُمَا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ بَابِ الْمُتَوَسِّطَةِ إلَى آخِرِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ شَرِكَتَهُ بِسَبَبِ الدَّارِ الَّتِي فِي الْوَسَطِ إنَّمَا هِيَ إلَيْهَا فَلَا يُقَالُ: إنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ إلَى آخِرِ الدَّرْبِ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُرُورِ إلَى آخِرِ الدَّرْبِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّارِ الْأَخِيرَةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلدَّارِ الَّتِي يُرِيدُ تَأْخِيرَ بَابِهَا فَيَنْتَهِي اسْتِحْقَاقُهُ إلَيْهَا فَقَطْ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا دَارَ لَهُ غَيْرَ هَذِهِ الَّتِي يُرِيدُ تَأْخِيرَ بَابِهَا. اهـ. م ر بِإِيضَاحٍ قَالَ ع ش: وَمِثْلُهُ التَّقْدِيمُ إلَى رَأْسِ الدَّرْبِ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ لِلِاسْتِطْرَاقِ اهـ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْقَاضِي إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ إلَخْ) قَيَّدَهُ حَجَرٌ بِمَا إذَا امْتَنَعَ شَرِيكُهُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَإِلَّا حَرُمَتْ الْإِعَادَةُ وَجَازَ لِلشَّرِيكِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ إلْزَامُ الْمُعِيدِ لِلنَّقْضِ لِيُعِيدَهُ مُشْتَرَكًا اهـ وَقَالَ م ر يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى تِلْكَ الْإِعَادَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَنْعِ فِي الْإِعَادَةِ بِالنَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ. قَالَ: قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِلَا شَكٍّ اهـ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْأُسِّ لِشَرِيكِهِ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ع ش عَلَى م ر. اهـ. وَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْأُجْرَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ الْآخَرُ مِنْ الْإِعَادَةِ فَلْيُرَاجَعْ

(قَوْلُهُ: فِي الْمُشْتَرَكِ) أَيْ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي دَارٍ فَانْهَدَمَتْ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهَا بِآلَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِابْنِ الْمُقْرِي. اهـ. زي وسم عَلَى الْمَنْهَجِ نَقْلًا عَنْ م ر. اهـ. ع ش عَلَى م ر فَالْكَلَامُ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ دُونَ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ (قَوْلُهُ: بِآلَتِهِ) بِخِلَافِ إعَادَتِهِ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَلِآخَرَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>