فَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ تَبَرُّعًا وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي الْفَرْقَ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَإِضَافَتُهُ إلَى نَفْسِهِ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهُ إقْرَارًا عَلَى أَبِيهِ وَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ فَإِنَّهُمْ لَا يُضِيفُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إلَّا فِي الْمُسْتَقَرِّ وَتَعْبِيرُ النَّظْمِ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْحَاوِي بِقَوْلِهِ: وَفِي مِيرَاثِ أَبِي؛ لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِهِ يُوهِمُ أَنَّ صِيغَةَ إقْرَارِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فِي مِيرَاثِ أَبِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ فِي هَذِهِ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِأَوَّلِ كَلَامِهِ كَمَا فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ لَزِمَهُ أَلْفٌ فِي التَّرِكَةِ وَاسْتَشْكَلَ فِي الْمَطْلَبِ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَبِيهِ بِالْأَلْفِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَلْفُ لَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ بِرَهْنٍ عَلَى دَيْنِ الْغَيْرِ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ وَأَجَابَ بِمَا لَا مَقْنَعَ فِيهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالثُّلُثِ وَقَوْلُهُ: فِي مِيرَاثِ أَبِي يَعُمُّ الْكُلَّ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِاقْتِضَاءِ لَفْظِ الْمُقِرِّ كُلَّ الْمِيرَاثِ الشَّامِلَ لِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْأَبِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ رَهْنًا بِدَيْنِ الْغَيْرِ وَأَيْضًا لَيْسَ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ وَقَدْ يَقْصِدُ تَعَلُّقَهُ بِالْمَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ هُنَا قَالَ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ، أَمَّا فِيهِ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي نِصْفُهُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ فِيهِ ثُلُثُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا لَهُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ. انْتَهَى.
وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيمَا قَالَهُ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ
(وَ) قَوْلُهُ: لَهُ عَلَيَّ (مِائَةٌ) مَثَلًا (فِي الْكِيسِ وَالْأَلْفِ) مَثَلًا أَيْ أَوْ الْأَلْفِ (الَّذِي فِي الْكِيسِ مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ ذَا) أَيْ الْأَلْفِ (وَذِي) أَيْ الْمِائَةِ وَعَنْ شَيْءٍ مِنْهُمَا (يَلْزَمُ) بِهِ مَا قَالَهُ الِاقْتِضَاءُ عَلَى اللُّزُومِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا عَقَّبَهُ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الرَّافِعِيُّ كَالْغَزَالِيِّ بِلَا تَرْجِيحٍ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّاجِحُ عَدَمَ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ، أَمَّا
ــ
[حاشية العبادي]
أَقُولُ هَذَا لَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ التَّبَرُّعِ عَنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ سَابِقٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِأَلْفٍ مُعَيَّنٍ أَوْ شَائِعٍ عَلَى سَبِيلِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ) بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَظَاهِرٌ إلَخْ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي مِيرَاثِ أَبِي هُنَا فَقَدْ تَمَّتْ صِيغَةُ الْإِقْرَارِ فَيُلْغِي مَا عَقَّبَهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: فِي مِيرَاثِ أَبِي وَتَأَخُّرَهُ عَنْهُ فِيمَا يَأْتِي فَقَدْ قَيَّدَ الْإِقْرَارَ قَبْلَ تَمَامِهِ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمِيرَاثِ فَتَقَيَّدَ بِهِ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ أَلْفٌ فِي التَّرِكَةِ) الَّذِي فِي عِبَارَةِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهَا فِي التَّرِكَةِ وَهُوَ مَوْضِعٌ تَأَمَّلْ بِرّ (قَوْلُهُ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْجَوَابِ عَنْ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ وَكَذَا قَوْلُهُ: أَيْضًا إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِهَا (قَوْلُهُ لِكُلِّ مَا يُمْكِنُ إلَخْ) فَيَشْمَلُ ذَلِكَ عِمَامَتَهُ وَسَتْرَ عَوْرَتِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَبْعُدُ كَوْنُهُ رَهْنًا بِرّ
(قَوْلُهُ: فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ هُنَا) أَيْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ فَلَا يُحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُورَثِ إلَى تَصْرِيحِ الْمُقِرِّ بِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَهَذَا كَمَا تَرَى يَحْسُنُ أَنْ يُرَدَّ بِهِ إشْكَالُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ هُنَا أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ بِكَوْنِهِ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ بِدُونِ تَعَلُّقٍ بِذِمَّتِهِ إذْ لَا يُوَفِّي عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إلَّا مِنْ التَّرِكَةِ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ) يُتَأَمَّلُ كَوْنُ أَلْفِ غَيْرَ شَائِعٍ وَنِصْفُهُ شَائِعٌ (قَوْلُهُ: أَمَّا فِيهِ إلَخْ) نَقَلَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَعَ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي قَوْلِهِ لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ وَقَبِلَهُ وَأَجَازَهُ الْوَارِثُ إنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَوْجَهُ مِمَّا قَالَهُ السُّبْكِيُّ
(قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ إلَخْ)
ــ
[حاشية الشربيني]
فَإِنْ كَذَّبُوهُ غَرِمَ قَدْرَ حِصَّتِهِ فَقَطْ اهـ تُحْفَةٌ (قَوْلُهُ: فَاحْتُمِلَ كَوْنُهُ تَبَرُّعًا) فَيُحْمَلُ عَلَى الْهِبَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَحَلُّ هَذَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ وَإِلَّا فَهُوَ كُلُّهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ أَلْفٌ فَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ اهـ حَجَرٌ م ر وَقَوْلُهُ فَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا مُتَعَلِّقًا بِالتَّرِكَةِ وَيُطْلَبُ تَفْسِيرُهُ مِنْهُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِنَحْوِ جِنَايَةٍ قُبِلَ اهـ
ع ش أَيْ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ: فِي مِيرَاثِ وَالِدِي كَذَا أَلْفًا لِأَنَّ كَلَامَ الْوَارِثِ فِيهَا ظَاهِرٌ فِي تَعَلُّقِ الْمُقَرِّ بِهِ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا بِالنَّظَرِ لِزِيَادَةِ مَا ذَكَرَ عَلَيْهَا أَوْ نَقْصِهِ عَنْهَا وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي نَحْوِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ وَالرَّهْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ فِي الْمَوْجُودِ بِقَدْرِهِ مِنْهُ اهـ م ر وَحَجَرٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَخْ) لِأَنَّ مِنْهُ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا وَفِي الْحَاشِيَةِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ) الْمُرَادُ بِالْجُزْءِ الشَّائِعِ مَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ مُسَمَّى مَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ نِصْفَ الدَّارِ جُزْءٌ مِنْ الدَّارِ بِخِلَافِ الْأَلْفِ كَقَوْلِهِ: فِي مَالِي أَلْفٌ أَوْ فِي دَارِي أَلْفٌ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَخَرَجَ بِالْأَلْفِ الْجُزْءُ الشَّائِعُ كَقَوْلِهِ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِ التَّرِكَةِ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ اهـ
وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا لَتَعَلَّقَ بِجَمِيعِهَا أَيْ فَيَكُونُ الدَّيْنُ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا فِيهَا وَلَوْ اسْتَغْرَقَ النِّصْفَ بِبَيْعِهِ فِيهِ مَثَلًا أَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ لَا عَيْنَ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ عَيْنَهُ لَا يَكُونُ دَيْنًا نَعَمْ يَكُونُ مُوصًى بِهِ وَلِذَا اخْتَارَ الْإِسْنَوِيُّ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْوَصِيَّةِ
(قَوْلُهُ: يَنْبَغِي) مُعْتَمَدٌ اهـ حَجَرٌ وَق ل (قَوْلُهُ: