للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَظْهَرْت غَيْرَهُ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ وَرَاءِ الْإِنْسَانِ كَأَنَّهُ يَجْعَلُهُ وَرَاءَهُ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ، ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ

(وَغُلِّظَتْ يَمِينُهُ) أَيْ الْحَالِفِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَلَوْ مَعَ شَاهِدٍ نَدْبًا لَا بِتَكْرِيرِ الْأَيْمَانِ لِاخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ، وَوُجُوبُهُ فِيهِمَا وَلَا بِالْجَمْعِ لِاخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ بَلْ بِتَعْدِيدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَبِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَالًا أَمْ غَيْرَهُ كَالْقَوَدِ وَالْعِتْقِ وَالْحَدِّ وَالْوَلَاءِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَالْوِلَادَةِ (وَاسْتُثْنِيَا) مِنْ الْمَالِ (مَالٌ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ) فَلَا تَغْلِيظَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَرَاهُ الْقَاضِي لِجَرَاءَةٍ فِي الْحَالِفِ فَلَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ التَّغْلِيظَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ وَزَادَ (زُكِّيَا) لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّصَابِ نِصَابُ الزَّكَاةِ، وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ نِصَابِهَا مِنْ نَقْدٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَغْلُظَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ اعْتِبَارُ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا أَوْ قِيمَةً، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ اُعْتُبِرَ بِالْمَذْهَبِ انْتَهَى.

وَحُقُوقُ الْأَمْوَالِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَالٍ هُوَ نِصَابٌ غُلِّظَ فِيهَا وَإِلَّا فَلَا وَاحْتَجَّ لِلتَّغْلِيظِ بِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْبَيْتِ فَقَالَ: أَعَلَى دَمٍ؟ فَقَالُوا لَا قَالَ فَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْمَالِ قَالُوا لَا قَالَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي اتَّقِ اللَّهَ وَأَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: ٧٧] الْآيَةَ وَأَنْ يُوضَعَ الْمُصْحَفُ فِي حِجْرِ الْحَالِفِ ثُمَّ مَثَّلَ لِمَا يُغَلَّظُ فِيهِ مِنْ جَانِبِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ (كَعَبْدِهِ الْخَسِيسِ) الَّذِي لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابَ الزَّكَاةِ (عِتْقًا ادَّعَى) أَيْ إذَا ادَّعَى عِتْقَهُ أَوْ كِتَابَتَهُ وَأَنْكَرَ سَيِّدُهُ وَنَكَلَ فَإِنَّ يَمِينَهُ تُغَلَّظُ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ لَيْسَ بِمَالٍ (لَا سَيِّدٍ) لَهُ فَإِنَّهُ لَا تُغَلَّظُ يَمِينُهُ إذَا حَلَفَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ مَالٍ قَلِيلٍ، وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ خُلْعًا عَلَى زَوْجِهَا وَأَنْكَرَ غُلِّظَتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ فَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَتْ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْفِرَاقُ وَإِنْ ادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْ ثَبَتَتْ الْبَيْنُونَةُ وَصُدِّقَتْ فِي إنْكَارِ الْمَالِ بِيَمِينِهَا وَيُنْظَرُ فِي التَّغْلِيظِ عَلَيْهَا إلَى قَدْرِ الْمَالِ، وَكَذَا إذَا رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَحَلَفَ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ الْمَالُ

(ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْخِصَامُ انْقَطَعَا) أَيْ فَائِدَةُ حَلِفِهِ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لَا سُقُوطُ حَقِّ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ رَجُلًا بَعْدَمَا حَلَفَ بِالْخُرُوجِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ كَأَنَّهُ عَرَفَ كَذِبَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ (وَبَعْدَ هَذَا) أَيْ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَتُقَامُ) جَوَازًا (الْبَيِّنَةْ) أَيْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ كَمَا مَرَّ فَتُسْمَعُ وَيُقْضَى بِهَا وَكَذَا لَوْ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ وَنَكَلَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِلتَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مَا لَوْ أَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَدِيعَةً بِنَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَوْدَعَهُ الْوَدِيعَةَ لَمْ يُؤَثِّرْ فَإِنَّهَا لَا تُخَالِفُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ

(وَإِنْ نَفَاهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (الْمُدَّعِي) حِينَ التَّحْلِيفِ

ــ

[حاشية العبادي]

عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّهُ هُنَا صَادِقٌ فِي حَلِفِهِ فِي اعْتِقَادِ الْقَاضِي فِي الْوَاقِعِ بِخِلَافِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ سم

(قَوْلُهُ ثَبَتَتْ الْبَيْنُونَةُ)

ــ

[حاشية الشربيني]

اهـ. م ر

(قَوْلُهُ بَلْ بِتَعْدِيدِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ) قَالَ فِي الرَّوْضِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ. اهـ قَالَ م ر فِي حَاشِيَتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: إنَّ أَظْهَرَ قَوْلِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى اللَّهُ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ تَوْقِيفٌ، وَأَنَّ مَوْضِعَ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَقْتَضِي مَدْحًا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ اسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الْفِعْلِ دُونَ الصِّفَةِ وَالْتَحَقَ بِالْأَفْعَالِ، وَإِضَافَةُ الْأَفْعَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَوْقِيفٍ، وَلِذَلِكَ تَوَسَّعَ النَّاسُ فِي تَحْمِيدَاتِهِمْ وَتَمْجِيدَاتِهِمْ وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ يَهْجُو الْمُشْرِكِينَ

جَاءَتْ سُحَيْمَةُ تُغَالِبُ رَبَّهَا ... وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغُلَّابِ

وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ. اهـ وَقَوْلُهُ: الَّذِي غَلَبَ فِيهِ إلَخْ أَيْ وَأَمَّا مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ ذَلِكَ كَالْمُخْزِي الْمُضِلِّ، فَلَا كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ م ر قَبْلُ عَنْ الْخَطَّابِيِّ رَاجِعْهُ. ثُمَّ رَأَيْت حَجَرٌ فِي التُّحْفَةِ قَالَ: إنَّ الْفِعْلَ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ وُرُودِهِ غَايَتَهُ أَنَّهُ يَكْفِي وُرُودُ مَعْنَاهُ أَوْ مُرَادِفِهِ بِخِلَافِ الصِّفَاتِ لَا بُدَّ مِنْ وُرُودِ لَفْظِهَا وَلَا يَجُوزُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ فِعْلٍ أَوْ مَصْدَرٍ وَرُدَّ اهـ وَقَدْ يُرَدُّ التَّأْيِيدُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّ بَابَ الْمُفَاعَلَةِ غَلَبَةُ مَعْنَى الْفِعْلِ فِيهِ ظَاهِرَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْمَنْصُوصُ إلَخْ) صَرِيحُ الْمِنْهَاجِ وَظَاهِرُ شُرُوحِهِ اعْتِمَادُ مَا فِي الرَّوْضَةِ

(قَوْلُهُ الْبَيِّنَةُ) مِثْلُهَا الشَّاهِدُ مَعَ الْيَمِينِ صَرَّحَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>