(مَا أَمْكَنَهْ) أَيْ غَايَةَ إمْكَانِهِ كَأَنْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي حَاضِرَةٌ وَلَا غَائِبَةٌ أَوْ قَالَ: كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ وَيُقْضَى بِهَا سَوَاءٌ ذَكَرَ تَأْوِيلًا كَجَهْلٍ وَنِسْيَانٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَالَ ذَلِكَ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ أَوْ جَهْلًا ثُمَّ بَانَ لَهُ خِلَافُهُ وَلَوْ نَفَى حُرِّيَّةَ شُهُودِهِ أَوْ عَدَالَتَهُمْ فَقَالَ: شُهُودِي عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ، ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ مَقْبُولَةٍ سُمِعَتْ إنْ أَمْكَنَ الْعِتْقُ وَالِاسْتِبْرَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَلَكِنْ أُرِيدُ تَحْلِيفَ خَصْمِي أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَيْهِ (وَبِنُكُولِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (كَأَنْ يَقُولَا) بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ (لَا أَحْلِفَنَّ أَوْ صَرَّحَ) بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ (النُّكُولَا) أَيْ بِنُكُولِهِ كَأَنْ قَالَ: أَنَا نَاكِلٌ (أَوْ يَسْكُتَ الْمَذْكُورُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّ سُكُوتَهُ لِدَهْشَةٍ أَوْ غَبَاوَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (لَا إنْ عَلِمَا عُذْرًا لَهُ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَبِالنُّكُولِ حَكَمَا) أَيْ وَالْحَالَةُ أَنَّهُ حَكَمَ بِالنُّكُولِ حَالَ السُّكُوتِ بِلَا عُذْرٍ (أَوْ قَالَ قَاضٍ) وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالنُّكُولِ (لِلَّذِي ادَّعَى احْلِفْ فَالْمُدَّعِي يَحْلِفُ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَمِينَ الرَّدِّ لِتَحَوُّلِ الْحَلِفِ إلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لَهُ بِنُكُولِ خَصْمِهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ وَلِأَنَّ نُكُولَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزًا عَنْ الْكَاذِبَةِ فَلَا يُقْضَى بِهِ مَعَ التَّرَدُّدِ، وَلَوْ أَقْبَلَ عَلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي فَفِي جَعْلِهِ كَالْحُكْمِ بِالنُّكُولِ وَجْهَانِ عَنْ الْقَاضِي أَقَرَّ بِهِمَا فِي الْكِفَايَةِ، نَعَمْ وَلَوْ أَبْدَلَ الِاسْمَ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: قُلْ بِاَللَّهِ فَقَالَ بِالرَّحْمَنِ كَانَ نَاكِلًا وَلَوْ أَبْدَلَ الصِّلَةَ فَقَالَ قُلْ بِاَللَّهِ فَقَالَ وَاَللَّهِ فَفِي كَوْنِهِ نَاكِلًا وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنُكُولٍ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَجَزَمَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ لَيْسَ نُكُولًا خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَلَوْ قَالَ لَهُ أَتَحْلِفُ فَقَالَ لَا فَلَيْسَ نُكُولًا بَلْ لَوْ بَدَرَ حِينَ سَمَاعِ ذَلِكَ وَحَلَفَ لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ لَا اسْتِحْلَافٌ وَلَوْ اقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِ احْلِفْ فَقَالَ لَا أَحْلِفُ قَالَ الْإِمَامُ هُوَ نُكُولٌ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ لَا وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ احْلِفْ يَحْتَمِلُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْقُضَاةِ مَنْ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ (لَا الْوَلِيُّ) الْمُدَّعِي عَنْ مُوَلِّيهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينَ الرَّدِّ وَلَا غَيْرَهَا (فِي مَا لَيْسَ مِنْ إنْشَائِهِ وَفِعْلِهِ كَمَا) لَوْ (ادَّعَى إتْلَافَ مَالِ طِفْلِهِ) عَلَى رَجُلٍ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِمُوَلِّيهِ لَا لَهُ، وَلَا هُوَ ثَابِتٌ بِفِعْلِهِ، وَإِثْبَاتُ الْحَقِّ لِلشَّخْصِ بِيَمِينِ غَيْرِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
مُؤَاخِذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ
(قَوْلُهُ إنْ أَمْكَنَ الْعِتْقُ) فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا إنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَنْ أَتَى بِهِمْ غَيْرُ مَنْ أَرَادَهُمْ أَوَّلًا م ر (قَوْلُهُ لِتَحَوُّلِ الْحَلِفِ إلَيْهِ بِالنُّكُولِ) سَيَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الرَّوْضَةِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِالنُّكُولِ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ وَيَحْلِفَ، وَلَوْ بَعْدَ التَّصْرِيحِ بِالنُّكُولِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَصْرِيحَهُ بِالنُّكُولِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ يَتَحَوَّلُ بِهِ الْيَمِينُ فَلْيُتَأَمَّلْ بِرّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقْبَلَ عَلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي إلَخْ) وَقَوْلُهُ أَيْ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بَعْدَ امْتِنَاعِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ سُكُوتِهِ: احْلِفْ أَوْ أَتَحْلِفُ، وَإِقْبَالُهُ عَلَيْهِ لِيُحَلِّفَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ احْلِفْ عَلَى الْمَنْقُولِ، الْمُعْتَمَدُ حَكَمَ مِنْهُ بِنُكُولِهِ أَيْ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ حَكَمْت بِنُكُولِهِ فَلَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا إنْ رَضِيَ الْمُدَّعِي وَبِمَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ عُلِمَ أَنَّ لِلْخَصْمِ بَعْدَ نُكُولِهِ الْعَوْدَ إلَى الْحَلِفِ وَإِنْ كَانَ قَدْ هَرَبَ وَعَادَ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِنُكُولِهِ صَرِيحًا أَوْ تَنْزِيلًا، وَإِلَّا لَمْ يُعَدِّلْهُ إنْ رَضِيَ الْمُدَّعِي حَجَرٌ ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَبْدَلَ الصِّلَةَ فَقَالَ: قُلْ بِاَللَّهِ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ فَفِي كَوْنِهِ نَاكِلًا وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إلَخْ) فِي شَرْحِ الْجَوْجَرِيِّ وَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى إنْسَانٍ وَكَانَ قَدْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً فَإِنْ قُلْنَا التَّغْلِيظُ وَاجِبٌ غُلِّظَ عَلَيْهِ وَحَنِثَ وَإِنْ امْتَنَعَ جُعِلَ نَاكِلًا وَإِنْ قُلْنَا مُسْتَحَبٌّ لَمْ يُغْلَظْ كَذَا ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَا عَنْ تَصْحِيحِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يُعَدُّ نَاكِلًا إذَا غُلِّظَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَامْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ رَدُّ اجْتِهَادِ الْقَاضِي، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّغْلِيظِ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ غَيْرِ الْقَفَّالِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي اللَّفْظِيِّ وَأَنَّ غَيْرَهُ يَكُونُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهُ نَاكِلًا قَطْعًا اهـ
وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الرَّوْضَةِ كَمَا قَالَ فَلْيَتَفَطَّنْ لِقَوْلِهِمَا وَيَحْنَثُ مَعَ كَوْنِهِ مُكْرَهًا عَلَى الْحَلِفِ مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي فَرُبَّمَا يُقَالُ إكْرَاهُ الْقَاضِي مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِحَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظًا مُعَانِدٌ لِلشَّرْعِ بِيَمِينِهِ الْمَذْكُورِ عَلَى قَوْلِ وُجُوبِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَمَنْ حَلِفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ يُؤْمَرُ بِهَا وَيَحْنَثُ هَكَذَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ وَهُوَ صَوَابٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الشِّهَابِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِمَنْعِ أَنَّهُ مُكْرَهٌ مِنْ طَرَفِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ تَرَكَهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ فَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى الْحَلِفِ عَيْنًا، بَلْ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الِاعْتِرَافِ فَفِي الْمَعْنَى هُوَ مُخَيِّرٌ لَهُ بَيْنَ الْحَلِفِ وَالِاعْتِرَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) كَانَ وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ فَهَذَا الِاحْتِمَالُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا فِي الِامْتِنَاعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ فَتَحْلِيفُهُ بِهِ مُعْتَدٌّ بِهِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِهِمَا إلَخْ السَّابِقُ قُبَيْلَ وَغَلُظَتْ يَمِينُهُ فَلَا يَحْسُنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عُذْرًا فِي الِامْتِنَاعِ، ثُمَّ رَأَيْت مَنْ رَدَّ تَرْجِيحَ الْبُلْقِينِيِّ
[حاشية الشربيني]
صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ، وَغَلِطَ فِيهَا بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ. اهـ. م ر فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ) أَيْ بِقَوْلِهِ احْلِفْ لَا بِقَوْلِهِ أَتَحْلِفُ؟ لِأَنَّهُ اسْتِخْبَارٌ لَا اسْتِحْلَافٌ فَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ لَا أَوْ أَنَا نَاكِلٌ لَا يَكُونُ نُكُولًا كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقْبَلَ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ قَوْلِهِ احْلِفْ أَوْ أَتَحْلِفُ فَالْكَلَامُ فِي مُجَرَّدِ الْإِقْبَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute