بِالتَّأْخِيرِ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيِّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْهَرَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لَوْ عَادَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَادَّعَى وَنَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَهُ الْحَلِفُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَأَقْوَى لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ دَعْوَاهُ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَحْسَنُ وَأَصَحُّ، وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ الثَّانِي
(وَعَرْضُهُ) أَيْ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَتَمَّ) أَيْ مَنْدُوبٌ (كَشَرْحِهِ) لَهُ (حُكْمَ النُّكُولِ) فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ إنْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حُكْمَهُ فَيَقُولُ لَهُ إنْ نَكَلْت عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَأَخَذَ مِنْك الْحَقَّ (وَإِذَا قَضَى) عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، أَوْ قَالَ وَلَمْ يَشْرَحْ لَهُ حُكْمَ النُّكُولِ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ (وَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا عَرَفْتُ حُكْمَ ذَا) أَيْ النُّكُولِ لَمْ يَنْفَعْهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ نَعَمْ (يَحْلِفُ) إنْ شَاءَ (لَكِنْ بِرِضَى ذِي الدَّعْوَى) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا فَإِنْ لَمْ يُنْقَضْ بِنُكُولِهِ وَلَمْ يَقُلْ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَلِفُ حَتَّى لَوْ هَرَبَ وَعَادَ فَلَهُ الْحَلِفُ، وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ شَرْحَ حُكْمِ النُّكُولِ مَنْدُوبٌ هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ النَّظْمِ، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ بِوُجُوبِهِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِمَامِ وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحَ هُوَ وَالْغَزَالِيُّ بِنُفُوذِ الْقَضَاءِ عِنْدَ تَرْكِهِ (أَمَّا نُكُولُ مُدَّعِيهِ) أَيْ الْحَقِّ عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ أَوْ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ (فَهُوَ كَحَلِفٍ مِنْ مُدَّعًى عَلَيْهِ) حَتَّى يُسْقِطَ حَقَّ الْمُدَّعِي مِنْ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَلَا اسْتِئْنَافُ الدَّعْوَى وَتَحْلِيفُهُ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَلَا يَنْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْبَيِّنَةُ (لَكِنْ يَمِينُ الْمُدَّعِي) الْمَرْدُودَةَ (لَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي (مِثْلُ اعْتِرَافِ مَنْ عَلَيْهِ يُدَّعَى) بِالْحَقِّ لَا مِثْلُ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِنُكُولِهِ إلَى الْحَقِّ فَأَشْبَهَ إقْرَارَهُ بِهِ، فَيَجِبُ الْحَقُّ بِفَرَاغِ الْمُدَّعِي مِنْ يَمِينِ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى حُكْمٍ كَالْإِقْرَارِ
وَلَا يَسْمَعُ بَعْدَ حَلِفِهِ دَعْوَى الْأَدَاءِ مِنْ خَصْمِهِ كَمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ (فَبِالْأَدَا)
ــ
[حاشية العبادي]
مَعَ الشَّاهِدِ فَهَلْ يَجْرِي فِيهَا خِلَافُ الْمَحَامِلِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَالْإِمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِيمَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْهَامِشِ الْآتِي عَنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْجَرَيَانُ (قَوْلُهُ: لِبُطْلَانِ حَقِّهِ مِنْ الْيَمِينِ) وَزَعَمَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّهُمَا رَجَّحَاهُ أَيْ بُطْلَانَ حَقِّهِ مِنْ الْيَمِينِ فِي الْمُؤَخَّرِ الْمَذْكُورِ أَيْ الْمُؤَخَّرِ الْيَمِينِ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ يَمِينِ الرَّدِّ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَعَلَّهُ قَاسَ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ أَيْ عَلَى مَسْأَلَةِ النَّاكِلِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ فَأَجْرَى فِيهَا مَا فِي هَذِهِ حَجَرٌ (قَوْلُهُ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ لَمْ يَذْكُرهُ الشَّيْخَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِمَا
(قَوْلُهُ أَوْ قَالَ وَلَمْ يَشْرَحْ إلَخْ) ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَلِفُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَإِنْ كَانَ قَالَ: أَنَا نَاكِلٌ أَوْ رَدَّ الْيَمِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ بِرّ (قَوْلُهُ أَمَّا نُكُولُ مُدَّعِيهِ إلَخْ) لَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِاشْتِرَاطِ حُكْمِ الْقَاضِي فِي عَدَمِ عَوْدِ الْمُدَّعِي إلَى الْيَمِينِ وَكَأَنَّ الْفَارِقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْيَمِينَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُتَأَصِّلَةٌ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْمُدَّعِي بِرّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ أَمَّا نُكُولُ مُدَّعِيهِ إلَى قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ إلَّا الْبَيِّنَةَ أَيْ، وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا كَذَا فِي الرَّوْضِ ثُمَّ زَادَ فِيهِ مَا نَصُّهُ فَإِنْ قَالَ أَيْ مَعَ شَاهِدِهِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ إلَّا بِتَجْدِيدِ دَعْوَى فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِقَامَةُ الشَّاهِدِ هَذَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي مَا عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْفَعُهُ إلَّا بَيِّنَةٌ كَامِلَةٌ وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْلِ تَرْجِيحَهُ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْخَصْمُ الْمَرْدُودَةَ، وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ وَلَا كَلَامَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَنْكُلْ عَنْهَا، وَإِلَّا حَلَفَ أَيْ الْمُدَّعِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْقَسَامَةِ اهـ. وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ وَقْفَةٌ اهـ.
مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ اعْتِبَارِ الْإِمَامِ هُنَا الْبَيِّنَةَ الْكَامِلَةَ وَاكْتِفَائِهِ فِي النُّكُولِ عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ بِالشَّاهِدِ وَالتَّمْيِيزِ. وَانْظُرْ هَلْ وَجْهُ الْوَقْفَةِ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْهَامِشِ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ هُنَا لَيْسَ لَهُ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى خَصْمِهِ إذْ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَاهَا لَأَدَّى إلَى الدَّوْرِ ذَكَرَهُ الْمَرْوَزِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَنْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْبَيِّنَةُ) أَيْ، وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي الْأُولَى، وَهِيَ
[حاشية الشربيني]
الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ إنْ تَوَسَّمَ فِيهِ جَهْلَ حُكْمِ النُّكُولِ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ (قَوْلُهُ وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحَ إلَخْ) خَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْدُمُ عَلَى الْحُكْمِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَدْرِي أَنَّ امْتِنَاعَهُ يُوجِبُ رَدَّ الْيَمِينِ بَلْ عَلَى الْقَاضِي إعْلَامُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ وَحَكَمَ بِنُكُولِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَدْرِي فَالْأَرْجَحُ أَيْضًا عَدَمُ النُّفُوذِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إزَالَةُ الْمُحْتَمَلِ بِإِظْهَارِ حُكْمِ النُّكُولِ. اهـ. م ر عَلَى شَرْحِ رَوْضٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْبَيِّنَةُ) ظَاهِرُهُ الْبَيِّنَةُ الْكَامِلَةُ فَلَيْسَ لَهُ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ أَنْ يُجَدِّدَ دَعْوَى وَيُقِيمَ الشَّاهِدَ وَيَحْلِفَ مَعَهُ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَرَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ لَكِنْ رَجَّحَ صَاحِبُ الرَّوْضِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ النَّاكِلِ عَنْ يَمِينِ الرَّدِّ لَيْسَ لَهُ تَجْدِيدُ دَعْوَى وَتَحْلِيفُ خَصْمِهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ وَاعْتَمَدَهُ م ر وَقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَرْجِيحِهِ الْعَوْدَ لِلْحَلِفِ هُنَا وَتَرْجِيحِ عَدَمِ عَوْدِهِ لِلْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute