للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ خَبَّابُ «أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ بِنَمِرَةٍ كَانَ إذَا غُطِّيَ بِهَا رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرَ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُ النَّمِرَةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِمَّنْ خَرَجَ لِلْقِتَالِ، وَبِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ لَوَجَبَ تَتْمِيمُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ يُقَالُ: قَدْ أَمَرَهُمْ بِتَتْمِيمِهِ بِالْإِذْخِرِ وَهُوَ سَاتِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّكْفِينُ بِهِ لَا يَكْفِي عَلَى أَنَّ فِي أَكْثَرِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَخْلُفْ إلَّا نَمِرَةً.

وَعَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ يَخْتَلِفُ قَدْرُ الْوَاجِبِ بِذُكُورَةِ الْمَيِّتِ وَأُنُوثَتِهِ لَا بِرِقِّهِ وَحُرِّيَّتِهِ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُ بَدَنَهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً؛ لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَمِمَّنْ اسْتَثْنَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْحُرَّةِ وَوُجُوبُ سَتْرِهِمَا فِي الْحَيَاةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِمَا عَوْرَةً بَلْ لِكَوْنِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا يُوقِعُ فِي الْفِتْنَةِ غَالِبًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ أَقَلَّ الْكَفَنِ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ وَقَوْلُ الْمُزَنِيّ فِي نِهَايَةِ الِاخْتِصَارِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْكَفَنِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مَا يُوَارِي بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ وُجُوبَ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّكْفِينِ لِاحْتِمَالِهِ أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي بَيَانِ أَقَلِّ الْكَفَنِ إذَا غَطَّى مِنْ الْمَيِّتِ عَوْرَتَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ الْفَرْضَ لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّهِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ الِاقْتِصَارَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ بِمَا فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِاقْتِصَارُ فِي كِسْوَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَإِنْ لَمْ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: مَدْفُوعٌ) قَدْ يَدْفَعُ هَذَا الدَّفْعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ غَيْرُهَا غَطَّى بِهِ رِجْلَيْهِ دُونَ الْإِذْخِرِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ، لَكِنْ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ زِيَادَةٌ وَجَبَتْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ الْبَعِيدِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَعَ جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ مَا يُغَطِّي رِجْلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت قَوْلَهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّكْفِينَ الْوَاجِبَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ مَنْ عَلَيْهِ تَكْفِينُهُ، فَالْوَقْفُ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّعْمِيمِ عَلَى الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ) قَدْ يُقَالُ أَيْضًا: لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ زِيَادَةٌ عَلَى حَاجَتِهِمْ. (قَوْلُهُ: بِهِ لَا يَكْفِي) أَيْ: مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِهِ أَنَّ وُجُوبَ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ مَا زَادَ ثَابِتٌ عَلَى هَذَا الْأَصَحِّ لِحَقِّ الْمَيِّتِ وَحِينَئِذٍ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ وُجُوبَ سَاتِرِ الْجَمِيعِ الَّذِي قَالَهُ الْأَوَّلُ بِالنَّظَرِ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْمَيِّتِ، وَوُجُوبِ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ الَّذِي قَالَهُ الثَّانِي بِالنَّظَرِ لِحَقِّ اللَّهَ فَقَطْ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْمَحَلِّيِّ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ غَرِيبٍ وَهُوَ أَنَّ الشَّخْصَ بِمَوْتِهِ هَلْ يَصِيرُ كُلُّهُ عَوْرَةً أَمْ عَوْرَتُهُ مَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ شَارِحُ التَّعْجِيزِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَاجِبَ لِحَقِّ اللَّهِ هَلْ هُوَ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ أَوْ كُلِّ الْبَدَنِ؟ لِأَنَّهُ صَارَ كُلُّهُ عَوْرَةً فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي أَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَا هُوَ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ حَجَرٌ فِي التُّحْفَةِ: إنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ سَاتِرِهَا أَوْ الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِحَقِّ اللَّهِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ صَيْرُورَتَهُ كُلَّهُ عَوْرَةً إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ التَّغَيُّرِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَسَتْرًا لِمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ التَّغَيُّرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ حَقًّا لَهُ وَحَقًّا لِلَّهِ بِإِيجَابِهِ سَتْرَ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ وَلِهَذَا اعْتَمَدَ م ر أَنَّ الزَّائِدَ لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ وَالْمَيِّتِ، تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: إلَخْ) أَيْ: فَيَكُونُ ذَلِكَ الْأَمْرُ لِلنَّدَبِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّكْفِينَ بِهِ لَا يَكْفِي إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ التَّكْفِينِ بِثَوْبٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَاحْتِمَالُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ إلَخْ) حَاصِلُ مَا اعْتَمَدَهُ حَجَرٌ فِي كُتُبِهِ أَنَّ الْكَفَنَ يَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: حَقُّ اللَّهِ وَهُوَ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إسْقَاطُهُ مُطْلَقًا، حَقُّ الْمَيِّت وَهُوَ سَاتِرُ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ فَهَذَا لِلْمَيِّتِ أَنْ يُوصِيَ بِإِسْقَاطِهِ دُونَ غَيْرِهِ، حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَهَذَا لِلْغُرَمَاءِ عِنْدَ الِاسْتِغْرَاقِ إسْقَاطُهُ وَالْمَنْعُ مِنْهُ دُونَ الْوَرَثَةِ، حَقُّ الْوَرَثَةِ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَلِلْوَرَثَةِ إسْقَاطُهُ وَالْمَنْعُ مِنْهُ وَوَافَقَ الْجَمَالُ الرَّمْلِيُّ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ إلَّا الثَّانِيَ مِنْهَا فَاعْتَمَدَ أَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ حَقًّا لِلَّهِ وَحَقًّا لِلْمَيِّتِ فَإِذًا أَسْقَطَ الْمَيِّتُ حَقَّهُ بَقِيَ حَقُّ اللَّهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ سَابِغِ جَمِيعِ الْبَدَنِ. اهـ. مَدَنِيٌّ وَوَافَقَ ز ي م ر عَلَى ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا فَالْأَصَحُّ) أَيْ: مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْوَاجِبَ لِحَقِّ اللَّهِ هَلْ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ أَوْ سَاتِرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَا يُنَافِي هَذَا الْأَصَحُّ وُجُوبَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمَيِّتِ. اهـ. وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ خِلَافًا لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إنَّ أَقَلَّ الْكَفَنِ إلَخْ) أَيْ: الْوَاجِبِ لِحَقِّ اللَّهِ بِحَيْثُ يُسْقِطُ بِهِ الْمُطَالَبَةَ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْمَوْقُوفَ عَلَى التَّكْفِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَا يُوَارِي بَيْنَ إلَخْ) هَكَذَا عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>