الْمُسْتَحِيلَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَاتِ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَالْخَبَرُ فِيهِ مَسْبُوقٌ لِلْعِلْمِ فِي التَّعَلُّقِ وَكُلُّ مَعْلُومٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُخْبَرٌ عَنْهُ وَيَخْتَصُّ الْكَلَامُ بِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقَ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ تَعَلُّقًا مِنْ الْعِلْمِ فَيَكُونُ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْعِلْمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَى السَّمْعِ لِاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِالْكَلَامِ، وَالْبَصَرُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ كَانَتْ كَلَامًا، أَوْ غَيْرَهُ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالْمُجَاوَرَةِ كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ فَلَا يَمَسُّهُ مُحْدِثٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلَابَسَ بِقَاذُورَةٍ وَلَا بِمَا يُوجِبُ الْإِهَانَةَ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ بَلْ لِمُجَاوَرَتِهِ الْوَرَقَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالْحُلُولِ كَتَفْضِيلِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ التَّفْضِيلُ إنَّمَا هُوَ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَالْعَمَلُ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَرَّمٌ فِيهِ عِقَابٌ شَدِيدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَفْضَلُ الْمَثُوبَاتِ فَإِذَا تَعَذَّرَ الثَّوَابُ هُنَالِكَ عَلَى عَمَلِ الْعَامِلِ مَعَ أَنَّ التَّفْضِيلَ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ كَيْفَ يَحْكِي الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ أَوَمَا عَلِمَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ أَعَمُّ مِنْ الثَّوَابِ وَأَنَّهَا مُنْتَهِيَةٌ إلَى عِشْرِينَ قَاعِدَةً أَنَا ذَاكِرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّفْضِيلِ بِهَذَا الْوَجْهِ لَا بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَكُونَ جِلْدُ الْمُصْحَفِ بَلْ وَلَا الْمُصْحَفُ نَفْسُهُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بَلْ هَذَا مَعْنَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَأَمَّلْهُ
(الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [المجادلة: ٢٢] أَضَافَهُمْ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُمْ بِالْإِضَافَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ التَّفْضِيلُ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [المجادلة: ٢٢] إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) .
قُلْت: قَوْلُهُ " فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ " إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ تَشْرِيفُ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، أَوْ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
مَا يَقْتَضِيهِ، وَكَتَفْضِيلِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَةَ وَسِيلَةٌ، وَالْمَقَاصِدُ بِكَوْنِهَا مَقَاصِدَ لَا بِزِيَادَةٍ فِي الْأُجُورِ إذْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ، وَبِالْأَفْضَلِ أَفْضَلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَالْمَدْلُولُ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَعْهُودِ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَدْلُولٍ مُتَعَلِّقًا بِوَجْهٍ مَا اهـ فَافْهَمْ.
(الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ)
التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ عَلَى عِلْمِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْخَبَرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا لِلْعِلْمِ فِي التَّعَلُّقِ وَكُلُّ مَعْلُومٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُخْبَرٌ عَنْهُ إلَّا أَنَّ لِلْكَلَامِ اخْتِصَاصًا بِتَعَلُّقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ أَكْثَرُ تَعَلُّقًا مِنْ الْعِلْمِ وَكَتَفْضِيلِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَاخْتِصَاصِ الْإِرَادَةِ بِالْمُمْكِنَاتِ وُجُودِهَا أَوْ عَدَمِهَا، وَاخْتِصَاصِ الْقُدْرَةِ بِوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ خَاصَّةً، وَاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ - وَهِيَ الْأَصْوَاتُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ -، وَاخْتِصَاصِ الْبَصَرِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ دُونَ الْمُسْتَحِيلَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَكَتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَى السَّمْعِ لِاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِالْكَلَامِ، وَالْبَصَرُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ كَانَتْ كَلَامًا، أَوْ غَيْرَهُ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالْمُجَاوَرَةِ كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ فَلَا يَمَسُّهُ مُحْدِثٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلَابَسَ بِقَاذُورَةٍ وَلَا بِمَا يُوجِبُ الْإِهَانَةَ لِمُجَاوَرَتِهِ الْوَرَقَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ الْقُرْآنُ.
(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالْحُلُولِ كَتَفْضِيلِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ فِي كِتَابِهِ الشِّفَاءِ.
وَقَالَ الْبَكْرِيُّ:
جَزَمَ الْجَمِيعُ بِأَنَّ خَيْرَ الْأَرْضِ مَا ... قَدْ حَاطَ ذَاتَ الْمُصْطَفَى وَحَوَاهَا
نَعَمْ لَقَدْ صَدَقُوا بِسَاكِنِهَا عَلَتْ ... كَالنَّفْسِ حِينَ زَكَتْ زَكَى مَأْوَاهَا
وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إنْكَارُ بَعْضِ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى انْحِصَارِ التَّفْضِيلِ فِي الثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ مُتَعَذَّرٌ هُنَا.
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ اللَّفْظِيُّ بِسَبَبٍ فِي الْإِضَافَةِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [المجادلة: ٢٢] أَضَافَهُمْ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُمْ بِهَا كَمَا أَضَافَ الْعُصَاةَ إلَى الشَّيْطَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} [المجادلة: ١٩] لِيُهِينَهُمْ بِهَا وَيُحَقِّرَهُمْ وقَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: ٢٦] الْآيَةَ أَضَافَ الْبَيْتَ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُ بِهَا وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: ٤١] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» شَرَّفَ الصَّوْمَ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ نَعَمْ لَا بُدَّ لِلتَّشْرِيفِ، أَوْ التَّحْقِيرِ بِالْإِضَافَةِ مِنْ أَسْبَابٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُضِفْ حِزْبَهُ تَعَالَى إلَيْهِ إلَّا لِطَاعَتِهِمْ وَلَا حِزْبَ الشَّيْطَانِ إلَيْهِ إلَّا لِمَعْصِيَتِهِمْ وَلَا الْبَيْتَ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ مَحَلًّا لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَلَا الْعَبْدَ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا لِأَنَّهُ جَعَلَهُ صَفْوَةَ رُسُلِهِ وَخَاتَمَهُمْ وَلَا الصَّوْمَ لَهُ تَعَالَى إلَّا لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِجَزَاءٍ لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى قَدْرِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ بَسْطُ الْخِلَافِ فِيهِ فَلَا تَغْفُلْ.
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ كَتَفْضِيلِ ذُرِّيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جَمِيعِ الذَّرَارِيِّ بِسَبَبِ نَسَبِهِمْ الْمُتَّصِلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَفْضِيلِ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: ٣٢]