إلَيْهِ كَمَا أَضَافَ الْعُصَاةَ إلَى الشَّيْطَانِ لِيُهِينَهُمْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَيُحَقِّرَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} [المجادلة: ١٩] وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: ٢٦] الْآيَةَ أَضَافَ الْبَيْتَ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: ٤١] وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» شَرَّفَ الصَّوْمَ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ هَذَا التَّشْرِيفِ الْمُوجِبِ لِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَنَقْلُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ.
(الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ كَتَفْضِيلِ ذُرِّيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جَمِيعِ الذَّرَارِيِّ بِسَبَبِ نَسَبِهِمْ الْمُتَّصِلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَفْضِيلِ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: ٣٢] وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ، وَإِنْ كُنَّ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ مُتَفَاوِتَاتٍ.
(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةَ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
إهَانَتُهُ إلَّا بِمُجَرَّدِ الْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُضِفْ حِزْبَهُ تَعَالَى إلَيْهِ إلَّا لِطَاعَتِهِمْ وَلَمْ يُضِفْ حِزْبَ الشَّيْطَانِ إلَيْهِ إلَّا لِمَعْصِيَتِهِمْ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: ٢٦] لَيْسَتْ إضَافَةُ الْبَيْتِ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ مَحَلًّا لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [الأنفال: ٤١] لَيْسَتْ إضَافَةُ الْعَبْدِ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ صَفْوَةَ رُسُلِهِ وَخَاتَمَهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ الْإِضَافَةُ إلَّا لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِجَزَاءٍ لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى قَدْرِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْإِضَافَةَ نَفْسَهَا هِيَ التَّشْرِيفُ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ أَسْبَابًا لَهَا فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي السَّادِسَةَ عَشَرَ إلَّا مَا حَكَاهُ عَنْ شَيْخِهِ عِزِّ الدِّينِ مِنْ مُلَاحَظَتِهِ فِي النُّبُوَّةِ جِهَةً أُخْرَى نُفَضِّلُهَا بِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّسُولُ نَبِيًّا وَأَمَّا وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلنَّبِيِّ عَلَى الرَّسُولِ بِمَزِيَّةٍ يَقَعُ بِهَا التَّفْضِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ.
وَإِنْ كُنَّ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ مُتَفَاوِتَاتٍ وَذَلِكَ أَنَّ نِسْبَةَ مَنْ دَخَلَ بِهِنَّ أَقْوَى مِنْ نِسْبَةِ مَنْ عَقَدَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ، وَنِسْبَةَ مَنْ دَخَلَ وَلَمْ يُطَلِّقْهُنَّ أَقْوَى مِمَّنْ دَخَلَ وَطَلَّقَهُنَّ وَنِسْبَةَ مَنْ دَخَلَ وَطَلَّقَهُنَّ أَقْوَى مِمَّنْ فَارَقَهُنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَنِسْبَةَ مَنْ فَارَقَهُنَّ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ أَقْوَى مِمَّنْ فَارَقَهُنَّ قَبْلَهُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْجَمَلِ عَنْ الْمَوَاهِبِ جُمْلَةُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ امْرَأَةً مَاتَ عَنْ عَشْرٍ، وَاحِدَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَهِيَ قَتِيلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَتِسْعٍ دَخَلَ بِهِنَّ، جَمَعَهُنَّ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:
تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ ... إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ
فَعَائِشَةٌ مَيْمُونَةُ وَصَفِيَّةُ ... وَحَفْصَةُ تَتْلُوهُنَّ هِنْدٌ وَزَيْنَبُ
جُوَيْرِيَةٌ مَعَ رَمْلَةٍ. ثُمَّ سَوْدَةٌ ... ثَلَاثٌ وَسِتٌّ نَظَمَهُنَّ مُهَذَّبُ
وَمَاتَ فِي حَيَاتِهِ بِاتِّفَاقٍ أَرْبَعٌ ثِنْتَانِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُمَا خَدِيجَةُ وَزَيْنَبُ أُمُّ الْمَسَاكِينِ وَثِنْتَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُمَا شُرَافُ بِنْتُ خَلِيفَةَ أُخْتُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَخَوْلَةُ بِنْتُ الْهُذَيْلِ وَفَارَقَ عَلَى خُلْفٍ فِي كَوْنِهِ بِطَلَاقٍ، أَوْ مَوْتٍ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ ثِنْتَيْنِ مُلَيْكَةَ بِنْتَ كَعْبٍ وَسَبَا بِنْتَ أَسْمَاءَ وَطَلَّقَ سَبْعًا بِاتِّفَاقٍ: بَعْدَ الدُّخُولِ بِاتِّفَاقٍ ثِنْتَيْنِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ وَعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ، وَقَبْلَهُ بِاتِّفَاقٍ ثَلَاثًا وَهُنَّ عَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ وَاَلَّتِي مِنْ غِفَارٍ، وَعَلَى خُلْفٍ فِي كَوْنِهِ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ ثِنْتَيْنِ وَهُمَا أُمُّ شَرِيكٍ الْقُرَشِيَّةُ وَالْمُسْتَقِيلَةُ الَّتِي جُهِلَ حَالُهَا وَهِيَ لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيمِ فَجُمْلَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَى دُخُولِهِ بِهِنَّ وَلَمْ يُطَلِّقْهُنَّ إحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً سِتٌّ مِنْ قُرَيْشٍ خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زِمْعَةَ وَأَرْبَعُ عَرَبِيَّاتٍ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ أُمُّ الْمَسَاكِينِ وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ الْمُصْطَلِقِيَّةُ وَوَاحِدَةٌ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ مِنْهُنَّ ثِنْتَانِ خَدِيجَةُ وَزَيْنَبُ أُمُّ الْمَسَاكِينِ وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَاقِي وَالْمُتَّفَقُ عَلَى مَنْ دَخَلَ وَطَلَّقَ بَعْدَهُ ثِنْتَانِ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضِّحَاكِ وَعَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ.
وَأَمَّا تَفْضِيلُ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ عَلَى بَاقِيهِنَّ وَالْخِلَافُ فِي أَفْضَلِهِمَا فَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْأَحْوَالِ وَكَثْرَةِ الْخِصَالِ الْجَمِيلَةِ فَيُسْتَحْسَنُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي أَخْتَارُهُ الْآنَ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَحْوَالٍ فَعَائِشَةُ أَفْضَلُهُنَّ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ وَخَدِيجَةُ مِنْ حَيْثُ تَقَدُّمُهَا، وَإِعَانَتُهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ فَيَكُونُ الْأَقْرَبُ الْوَقْفَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا فِي عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ قَالَ: وَفِي كَلَامِ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ تَلِي عَائِشَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَلَمْ يَقِفْ أُسْتَاذُنَا عَلَى نَصٍّ فِي بَاقِيهِنَّ وَلَا فِي مُفَاضَلَةِ بَعْضِ أَبْنَائِهِ الذُّكُورِ عَلَى بَعْضٍ وَلَا فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَنَاتِ الشَّرِيفَاتِ سِوَى مَا شَرَّفَ اللَّهُ بِهِ الذُّكُورَ عَلَى الْإِنَاثِ مُطْلَقًا وَلَا بَيْنَهُنَّ سِوَى فَاطِمَةَ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ بَنَاتِهِ الْكَرِيمَاتِ وَلَا بَيْنَ بَاقِي الْبَنَاتِ سِوَى فَاطِمَةَ مَعَ الزَّوْجَاتِ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ جَرَتْ عِلَّةُ فَاطِمَةَ بِالْبِضْعِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ فَالْوَقْفُ أَسْلَمُ اهـ.
قَالَ الْأَمِيرُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَلَوِيُّ أَوْلَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذُّكُورُ ثَلَاثَةٌ عَبْدُ اللَّهِ وَيُلَقَّبُ بِالطَّيِّبِ وَبِالطَّاهِرِ فَلَهُ