للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَشَرَ)

التَّفْضِيلُ بِالثَّمَرَةِ وَالْجَدْوَى كَتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُثْمِرُ صَلَاحَ الْخَلْقِ وَهِدَايَتَهُمْ إلَى الْحَقِّ بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ، وَالْعِبَادَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى مَحَلِّهَا وَاجْتَمَعَ يَوْمًا عَالِمَانِ عَظِيمَانِ أَحَدُهُمَا يَعْلَمُ الْمَعْقُولَاتِ وَالْهَنْدَسِيَّاتِ وَالْآخَرُ عَالِمٌ بِالسَّمْعِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: الْهَنْدَسَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ، وَالْفِقْهُ مَظْنُونٌ وَالْقَطْعُ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: صَدَقْتَ، مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ أَفْضَلُ، غَيْرَ أَنَّ الْفِقْهَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُثْمِرُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ.

وَنَعِيمَ الْجِنَانِ، وَرِضْوَانَ الرَّحْمَنِ، وَالْهَنْدَسَةُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ فَوَافَقَهُ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا مُتَنَاصِفَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْعِلْمِ مَوْضُوعَاتُهُ أَيْ تَآلِيفُهُ فَيَنْتَفِعُ الْأَبْنَاءُ بَعْدَ الْآبَاءِ وَالْأَخْلَافُ بَعْدَ الْأَسْلَافِ وَالْعِبَادَةُ تَنْقَطِعُ مِنْ حِينِهَا وَثَمَرَةُ الْعِلْمِ وَهِدَايَتُهُ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَجَاءَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الرِّسَالَةُ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ الرِّسَالَةَ مُثْمِرَةٌ الْهِدَايَةَ لِلْأُمَّةِ الْمُرْسَلِ إلَيْهَا وَالنُّبُوَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ فَنِسْبَتُهَا إلَى النُّبُوَّةِ كَنِسْبَةِ الْعَالِمِ لِلْعَابِدِ وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُلَاحِظُ فِي النُّبُوَّةِ جِهَةً أُخْرَى يُفَضِّلُهَا بِهَا عَلَى الرِّسَالَةِ فَكَانَ يَقُولُ: النُّبُوَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِإِنْشَاءِ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] فَهَذَا وُجُوبٌ مُتَعَلِّقٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرِّسَالَةُ خِطَابٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمَّةِ، وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الْأُمَّةِ، وَالْخِطَابُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ جِهَةِ شَرَفِ الْمُتَعَلَّقِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ هُوَ مُتَعَلَّقُهَا وَالرِّسَالَةُ مُتَعَلَّقُهَا الْأُمَّةُ، وَإِنَّمَا حَظُّهُ مِنْهَا التَّبْلِيغُ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مُتَعَارِضَانِ كَمَا يُقَالُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى: إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَيَاةِ لِأَجْلِ التَّعَلُّقِ الَّذِي لَهُ وَالْحَيَاةُ لَا مُتَعَلَّقَ لَهَا وَيُلَاحَظُ فِي الْحَيَاةِ جِهَةٌ أُخْرَى هِيَ بِهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِلْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا وَهِيَ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى الْعِلْمِ فِي ذَاتِهَا، وَالْعِلْمُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.

(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِأَكْثَرِيَّةِ الثَّمَرَةِ بِأَنْ تَكُونَ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لَقَبَانِ زِيَادَةً عَلَى الِاسْمِ وَالْقَاسِمُ، وَإِبْرَاهِيمُ وَالْإِنَاثُ أَرْبَعَةٌ زَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَفَاطِمَةُ وَيَنْبَغِي حِفْظُهُمْ وَمَعْرِفَتُهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُنَا وَيَقْبُحُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَعْرِفَ أَوْلَادَ سَيِّدِهِ اهـ وَكُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ إلَّا إبْرَاهِيمَ فَمِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقَسُ مِنْ مِصْرَ اهـ.

وَقَدْ جَمَعْتُ أَوْلَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِي لِيَسْهُلَ حِفْظُهُمْ:

أَوْلَادُ طَه سَبْعَةٌ أَطْهَارٌ ... ذُكُورُهُمْ ثَلَاثَةٌ أَبْرَارُ

الْقَاسِمُ إبْرَاهِيمُ عَبْدُ اللَّهِ ذَا ... بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرِ تَلْقِيبًا خُذَا

وَأَرْبَعٌ إنَاثُهُمْ فَاطِمَةُ ... فَأُمُّ كُلْثُومٍ كَذَا رُقَيَّةُ

فَزَيْنَبٌ وَأُمُّهُمْ خَدِيجَةُ ... لَكِنْ لِإِبْرَاهِيمَ مَارِيَةُ

، وَفِي الْجُمَلِ عَنْ الْمَوَاهِبِ وَخَطَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَ نِسْوَةٍ وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِنَّ بِاتِّفَاقٍ، وَسَرَارِيُّهُ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهِنَّ بِالْمِلْكِ أَرْبَعٌ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ وَرَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقِيلَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَالثَّالِثَةُ وَهَبَتْهَا لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا نَفِيسَةُ وَالرَّابِعَةُ أَصَابَهَا فِي بَعْضِ السَّبْيِ وَلَمْ يُعْرَفْ اسْمُهَا اهـ.

(الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالثَّمَرَةِ وَالْجَدْوَى كَتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُثْمِرُ صَلَاحَ الْخَلْقِ وَهِدَايَتَهُمْ إلَى الْحَقِّ بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ وَالْعِبَادَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى مَحَلِّهَا وَلِأَنَّ ثَمَرَاتِ الْعِلْمِ مِنْ مَوْضُوعَاتِهِ أَيْ تَآلِيفِهِ، وَهِدَايَتُهُ مُتَعَلِّمِيهِ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الدِّينِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْأَبْنَاءُ بَعْدَ الْآبَاءِ وَالْأَخْلَافُ بَعْدَ الْأَسْلَافِ وَالْعِبَادَةُ تَنْقَطِعُ مِنْ حِينِهَا وَكَتَفْضِيلِ الرِّسَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ تُثْمِرُ الْهِدَايَةَ لِلْأُمَّةِ الْمُرْسَلِ إلَيْهَا، وَالنُّبُوَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ فَنِسْبَتُهَا إلَى النُّبُوَّةِ كَنِسْبَةِ الْعَالِمِ لِلْعَابِدِ وَلَيْسَ لِلنُّبُوَّةِ جِهَةٌ أُخْرَى نُفَضِّلُهَا بِهَا عَلَى الرِّسَالَةِ وَتَكُونُ مُعَارِضَةً لِجِهَةِ تَفْضِيلِ الرِّسَالَةِ عَلَيْهَا حَتَّى يُحْتَاجَ أَنْ يُقَالَ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.

وَأَمَّا مُلَاحَظَةُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي النُّبُوَّةِ جِهَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِإِنْشَاءِ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] فَهَذَا وُجُوبٌ مُتَعَلِّقٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرِّسَالَةُ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقِ بِالْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا حَظُّ الرَّسُولِ مِنْهَا التَّبْلِيغُ فَتَكُونُ أَفْضَلَ بِجِهَةِ شَرَفِ الْمُتَعَلِّقِ مِنْ الرِّسَالَةِ فَإِنَّمَا تَصِحُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّسُولُ نَبِيًّا، وَأَمَّا وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ فَلَا يَصِحُّ مُلَاحَظَةُ ذَلِكَ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلنَّبِيِّ عَلَى الرَّسُولِ بِمَزِيَّةٍ يَقَعُ بِهَا التَّفْضِيلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ نَعَمْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَاتِ التَّفْضِيلِ فِي صِفَتَيْ عِلْمِهِ تَعَالَى وَحَيَاتِهِ وَفِي عِلْمَيْ الْفِقْهِ وَالْهَنْدَسَةِ أَمَّا فِي الْعِلْمَيْنِ فَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ يَوْمًا عَالِمَانِ عَظِيمَانِ أَحَدُهُمَا يَعْلَمُ الْمَعْقُولَاتِ وَالْهَنْدَسِيَّاتِ وَالْآخَرُ عَالِمٌ بِالسَّمْعِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: الْهَنْدَسَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِقْهِ لِأَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ وَالْفِقْهُ مَظْنُونٌ وَالْقَطْعُ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ صَدَقْت مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ أَفْضَلُ، غَيْرَ أَنَّ الْفِقْهَ أَفْضَلُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يُثْمِرُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَنَعِيمَ الْجِنَانِ وَرِضْوَانَ الرَّحْمَنِ، وَالْهَنْدَسَةُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ فَوَافَقَهُ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا مُتَنَاصِفَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي الْوَصْفَيْنِ فَقَالَ الْأَصْلُ: عِلْمُهُ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنْ الْحَيَاةِ مِنْ جِهَةِ التَّعَلُّقِ الَّذِي لَهُ وَالْحَيَاةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا وَحَيَاتُهُ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي ذَاتِهَا لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.

(الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِأَكْثَرِيَّةِ الثَّمَرَةِ بِأَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَقِيقَتَيْنِ ثَمَرَةٌ إلَّا أَنَّ ثَمَرَةَ إحْدَاهُمَا أَعْظَمُ وَجَدْوَاهَا أَكْثَرُ فَتَكُونُ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>