للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ عَمِلَ الثُّمُنَ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ وَذَلِكَ أَلْفُ ذِرَاعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الذِّرَاعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَوْ عُمِلَ وَبُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ وَمُسِحَ كَانَ حَصِيرًا طُولُهُ عَشَرَةٌ وَعَرْضُهُ عَشَرَةٌ وَمَسَّاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِمِائَةٍ، فَالذِّرَاعُ الْأَوَّلُ تَحْصُلُ مِسَاحَتُهُ مِائَةٌ وَهِيَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةٍ وَمِائَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِأَلْفٍ وَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَالذِّرَاعُ الْأَوَّلُ لَوْ بُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ تُرَابًا عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ، وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَالذِّرَاعُ مِسَاحَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي خَمْسَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَنِسْبَةُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثُّمُنِ فَيَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ ثُمُنَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الدَّقَائِقُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ الْهَنْدَسَةِ فَإِنَّ عِلْمَ الْهَنْدَسَةِ يَشْمَلُ الْحِسَابَ وَالْمِسَاحَةَ وَغَيْرَهُمَا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ.

وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ قَلِيلَةٌ فَثَمَرَةُ الْفِقْهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَمَرَةِ الْهَنْدَسَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهَا.

وَثَانِيهَا عِلْمُ النَّحْوِ وَعِلْمُ الْمَنْطِقِ كِلَاهُمَا لَهُ ثَمَرَةٌ جَلِيلَةٌ، غَيْرَ أَنَّ ثَمَرَةَ النَّحْوِ أَعْظَمُ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَامِ الْعَرَبِ فِي نُطْقِ اللِّسَانِ وَكِتَابَةِ الْيَدِ فَإِنَّ اللَّحْنَ يَقَعُ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي اللَّفْظِ وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْفِقْهِ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ فِي مَوَاضِعِهِ.

وَأَمَّا الْمَنْطِقُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ضَبْطِ الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَرَاهِينِ وَالْحُدُودِ خَاصَّةً وَقَدْ يَكْفِي فِيهَا الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَالْعَقْلُ الْمُسْتَقِيمُ وَلَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ بِمُجَرَّدِهِ لِتَقْوِيمِ اللِّسَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ اللَّحْنِ فَإِنَّهَا أُمُورٌ سَمْعِيَّةٌ وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّحْوِ بِالضَّرُورَةِ فِيهَا، وَالْمَنْطِقُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِصَفَاءِ الْعَقْلِ فَصَارَتْ الْحَاجَةُ لِلنَّحْوِ أَعْظَمَ، وَثَمَرَتُهُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ أَفْضَلَ.

وَثَالِثُهَا عِلْمُ النَّحْوِ مَعَ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ غَيْرَ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ يُثْمِرُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ فَإِنَّهَا مِنْهُ تُؤْخَذُ فَالشَّرِيعَةُ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالنَّحْوُ إنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَصْحِيحِ الْأَلْفَاظِ وَبَعْضِ الْمَعَانِي

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

وَسَلَامَتِهِ مِنْ اللَّحْنِ لِأَنَّهَا أُمُورٌ سَمْعِيَّةٌ وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّحْوِ بِالضَّرُورَةِ فِيهَا وَالْمَنْطِقُ يَكْفِي فِي مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِهِ الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَالْعَقْلُ الْمُسْتَقِيمُ فَيُسْتَغْنَى عَنْهُ بِصَفَاءِ الْعَقْلِ فَصَارَتْ الْحَاجَةُ لِلنَّحْوِ أَعْظَمَ وَثَمَرَتُهُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ أَفْضَلَ

وَثَالِثُهَا عِلْمُ النَّحْوِ مَعَ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ غَيْرَ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرِيعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ فَلَا تُؤْخَذُ أَحْكَامُهَا إلَّا مِنْهُ فَهِيَ ثَمَرَتُهُ وَالنَّحْوُ إنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَصْحِيحِ الْأَلْفَاظِ، وَبَعْضُ الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ إنَّمَا هِيَ وَسَائِلُ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مَقَاصِدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَلْفَاظِ وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ

(الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالتَّأْثِيرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ:

أَحَدُهَا تَفْضِيلُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي تَحْصِيلِ وُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ، وَإِرَادَتِهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ لِلتَّخْصِيصِ فِي الْمُمْكِنَاتِ بِزَمَانِهَا وَصِفَاتِهَا الْجَائِزَةِ عَلَيْهَا عَلَى سَائِرِ صِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ إذْ لَا تَأْثِيرَ فِي غَيْرِهِمَا مِنْهَا.

وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْحَيَاءَ عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْقِحَةُ فَقَالَ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَيَاءَ يُؤَثِّرُ الْحَثَّ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالزَّجْرَ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَالِقْحَةَ لَا يَنْزَجِرُ صَاحِبُهَا عَنْ مَكْرُوهٍ وَلَا تَحُثُّهُ عَلَى مَعْرُوفٍ.

وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الشَّجَاعَةَ عَلَى الْجُبْنِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّجَاعَةَ تَحُثُّ عَلَى رَدْءِ الْأَعْدَاءِ وَنُصْرَةِ الْجَارِ وَدَفْعِ الْعَارِ، وَالْجُبْنَ لَا يَأْتِي مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

وَرَابِعُهَا تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ السَّخَاءَ عَلَى الْبُخْلِ كَمَا وَرَدَ «الْكَرِيمُ حَبِيبُ اللَّهِ» لِأَنَّ السَّخَاءَ يُؤَثِّرُ الْحَنَانَةَ، وَالشَّفَقَةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَهُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَجَلْبِ الْقُلُوبِ بِخِلَافِ الْبُخْلِ فَإِنَّهُ مِنْ طِبَاعِ اللِّئَامِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِيمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ نَظَرٌ اهـ.

قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نَسَبَ التَّأْثِيرَ لِلْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُوَ لَا يُنْسَبُ حَقِيقَةً إلَّا لِلذَّاتِ وَقَوْلُهُمْ الْقُدْرَةُ فَعَّالَةٌ مَجَازٌ لَا كُفْرٌ مَا لَمْ يُرِدْ الِانْفِكَاكَ وَالِاسْتِقْلَالَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ قَالَ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ بِهَا فِي تَعْرِيفِ الْقُدْرَةِ عُرْفًا بِأَنَّهَا صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ يَتَأَتَّى بِهَا إيجَادُ كُلِّ مُمْكِنٍ، وَإِعْدَامُهُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ اهـ.

لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظَ وَاسِطَةٍ، أَوْ يُمَثِّلَ بِالْآلَةِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَسُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَيُقْتَصَرُ لِلْقَاصِرِينَ عَلَى قَوْلِنَا اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَإِلَّا جَاءَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَكَانَ مُضِلِّي مَنْ هُدِيتُ بِرُشْدِهِ

قَالَ وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ ابْنِ عَرَبِيٍّ فِي شَرْحِ تَرْجُمَانِ الْأَشْوَاقِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ مِنْ سِرِّ الْقَدَرِ، وَسِرُّ الْقَدَرِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ طَوَى عِلْمَهُ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ مَا عَدَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ وَرِثَهُ فِيهِ «كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ يَوْمًا أَتَدْرِي يَوْمَ لَا يَوْمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَعَمْ ذَلِكَ يَوْمُ الْمَقَادِيرِ» ، أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَقَدْ أَطْلَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِرَاثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَكِنْ لَا يَسَعُنَا الْإِفْصَاحُ عَنْهُ لِغَلَبَةِ مُنَازَعَةِ الْمَحْجُوبِينَ فِيهِ قَالَ تَعَالَى وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ اهـ بِتَصَرُّفٍ.

وَفِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ نُسِبُ التَّأْثِيرُ لِلْأَسْبَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْإِيجَابِ وَالتَّعْلِيلِ وَالْمَذْهَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>