للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَبْدَأَ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةِ أَبِيهِ.

وَالنُّطْفَةُ تَنْزِلُ مِنْ الْأَبِ وَالنَّازِلُ مِنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَسْفَلَ مِنْهُ وَابْنُ الِابْنِ مِنْ الِابْنِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ تَقُولَ الْأَبْنَاءُ وَإِنْ سَفَلُوا وَالْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَاللَّفْظَانِ مَجَازَانِ إشَارَةً لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّخَيُّلِ لِمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَقَدْ يُلَاحَظُ فِي اللَّفْظِ عَلَاقَةٌ هِيَ ضِدُّ عَلَاقَةٍ أُخْرَى ذَلِكَ لِاخْتِيَارِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُتَجَوِّزِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ اصْطِلَاحٌ وَلَهُمْ فِي اصْطِلَاحِهِمْ ذَلِكَ.

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَصَانَةِ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ وَقَاعِدَةُ الْفُسُوقِ يَعُودُ بِالْجِنَايَةِ)

اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا حُكِمَ لَهُ بِالْفُسُوقِ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ ذَهَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْفُسُوقِ فَإِذَا جَنَى بَعْدَ ذَلِكَ كَبِيرَةً عَادَ الْفُسُوقُ لَهُ وَإِذَا كَانَ مُحْصَنًا بِعَدَمِ مُبَاشِرِ الزِّنَى ثُمَّ زَنَى ذَهَبَ الْإِحْصَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَمَنْ قَذَفَ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَارَ بَعْدَ الزِّنَى عَدْلًا لَمْ تَعُدْ الْحَصَانَةُ بِالْعَدَالَةِ وَفِي الْقَاعِدَتَيْنِ قَدْ وَرَدَ الضِّدُّ بَعْدَ الضِّدِّ الْمُنَافِي لِحُكْمِهِ ظَاهِرًا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَذَفَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ عَدْلًا لَمْ يُحَدَّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَصَاحِبُ النَّوَادِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ لَاعَنَ الْمَرْأَةَ وَأَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ لِاسْتِيفَاءِ مُوجِبِ اللِّعَانِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ رَبِيعَة يُحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُلَاعِنْ وَحُدَّتْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِسُقُوطِ حَصَانَتِهَا بِتِلْكَ الزِّينَةِ بِمُوجِبِ لِعَانِهِ.

وَإِنْ لَاعَنَتْ وَجَبَ الْحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَوْلَى بِالْحَدِّ لِأَنَّ أَثَرَ لِعَانِ الزَّوْجِ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذْ قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَى وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحَصَانَةَ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ فَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بِالزِّنَى ذَهَبَتْ حَصَانَتُهُ وَهَذَا مَقَامٌ تَزَلْزَلَتْ فِيهِ الْفِكَرُ وَاضْطَرَبَتْ فِيهِ الْعِبَرُ وَكَيْفَ يَصِيرُ الْمَقْذُوفُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْعَدَالَةِ وَجَانِبُهُ مُهْتَضِمٌ وَعِرْضُهُ مُطَّرِحٌ وَالزَّنْيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا أَوْ رَمَى الْمَرْأَةَ بِهَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا مُصَدِّقٌ لِلرَّمْيِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ الْأَذِيَّةِ هَهُنَا وَبَيْنَ أَذِيَّةِ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ زِنًى وَهُمَا مُؤْلِمَانِ مُؤْذِيَانِ لِلْمَرْمِيِّ أَذِيَّةً ظَاهِرُهَا الْكَذِبُ، أَمَّا إذَا رَمَاهَا بِالزَّنْيَةِ الْأُولَى لَهُوَ صَادِقٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَدِّ لِقُصُورِهِ عَنْهُ بَلْ التَّعْزِيرُ لِمُطْلَقِ الْأَذِيَّةِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بِهَا مَا عَدَا اللَّحْمَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ فِي الْحِلِّيَّةَ وَالْحُرْمَةِ أَمْ لَيْسَتْ تَابِعَةً لِلَّحْمِ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ قَالَ إذَا لَمْ تَعْمَلْ الذَّكَاةُ فِي اللَّحْمِ لَمْ تَعْمَلْ فِيمَا سِوَاهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ.

قَالَ إنَّهَا تَعْمَلُ فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي لَحْمِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا تَعْمَلُ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالدَّلِيلِ الْمُحَرَّمِ لِلَّحْمِ عَمَلُهَا فِي اللَّحْمِ بَقِيَ عَمَلُهَا فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ارْتِفَاعِهِ فِيهَا أَيْضًا اهـ

(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إذَا طَالَ مَرَضُهَا أَوْ تَعِبَتْ مِنْ السَّيْرِ فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا ذَبْحُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا لِتَحْصُلَ رَاحَتُهَا مِنْ الْعَذَابِ وَقِيلَ تُعْقَرُ لِئَلَّا يُغْرِيَ النَّاسَ ذَبْحُهَا عَلَى أَكْلِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْقَرُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ فَإِذَا تَرَكَهَا صَاحِبُهَا لِذَلِكَ فَعَلَفَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا أَفَادَهُ الْأَصْلُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ)

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَأَمَّا تَأْثِيرُ الذَّكَاةِ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَمَلِ الذَّكَاةِ فِي الَّتِي لَمْ تُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ فَأَمَّا الْأَثَرُ فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ «أَمَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسِلَعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلُوهَا» وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ الذَّكَاةِ أَنَّهَا إنَّمَا تُفْعَلُ فِي الْحَيِّ وَهَذِهِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَاتَّفَقَ كُلُّ مَنْ أَجَازَ ذَبْحَهَا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْحَرَكَةَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتَبِرْهَا وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ فِيهَا ثَلَاثَ حَرَكَاتٍ: طَرَفُ الْعَيْنِ وَتَحْرِيكُ الذَّنَبِ وَالرَّكْضُ بِالرِّجْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَبَعْضُهُمْ شَرَطَ مَعَ هَذِهِ التَّنَفُّسَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ)

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ تَعْمَلُ ذَكَاةُ الْأُمِّ فِي جَنِينِهَا أَمْ لَا تَعْمَلُ فِيهِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لِجَنِينِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ خَرَجَ حَيًّا ذُبِحَ وَأُكِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>