للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:
رقم الحديث:

٢٤١٥ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، وَخَلَفُ بْنُ أَحْمَدَ، وَغَيْرُهُمْ، قَالُوا: نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ الطَّحَاوِيُّ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أبي عِمْرَانَ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ وَقَدْ تَخَلَّفَ فِي مَنْزِلِهِ فَبَعَثَ غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ صَاحِبِ الْغَرِيبِ يَسْأَلُهُ الْمَجِيءَ إِلَيْهِ، فَعَادَ إِلَيْهِ الْغُلَامُ فَقَالَ: قَدْ سَأَلْتُهُ ذَلِكَ فَقَالَ لِي: عِنْدِي قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ فَإِذَا قَضَيْتُ أَرَبِي مِنهُمْ أَتَيْتُ، قَالَ الْغُلَامُ: وَمَا رَأَيْتُ عِنْدَهُ أَحَدًا إِلَّا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ كُتُبًا يَنْظُرُ فِيهَا فَيَنْظُرُ ⦗١٢٢٨⦘ فِي هَذَا مَرَّةً وَفِي هَذَا مَرَّةً، ثُمَّ مَا شَعَرْنَا حَتَّى جَاءَ فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، تَخَلَّفْتَ عَنَّا وَحَرَمْتَنَا الْأُنْسَ بِكَ، وَلَقَدْ قَالَ لِيَ الْغُلَامُ إنَّهُ مَا رَأَى عِنْدَكَ أَحَدًا، وَقُلْتَ: أَنَا مَعَ قَوْمٍ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَإِذَا قَضَيْتُ أَرَبِي مَعَهُمْ أَتَيْتُ" فَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ:

[البحر الطويل]

لَنَا جُلَسَاءُ مَا نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ ... أَلِبَّاءُ مَأْمُونُونُ غَيْبًا وَمَشْهَدَا

يُفِيدُونَنَا مِنْ عِلْمِهِمْ عِلْمَ مَا مَضَى ... وَعَقْلًا وَتَأْدِيبًا وَرَأْيًا مُسَدَّدَا

بِلَا فِتْنَةٍ تُخْشَى وَلَا سُوءِ عِشْرَةٍ ... وَلَا يُتَّقَى مِنْهُمْ لِسَانًا وَلَا يَدَا

فَإِنْ قُلْتَ أَمْوَاتٌ فَلَا أَنْتَ كَاذِبٌ ... وَإِنْ قُلْتَ أَحْيَاءٌ فَلَسْتَ مُفَنَّدَا.

٢٤١٦ - قِيلَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى ثَعْلَبٍ: " تَوَحَّشْتَ مِنَ النَّاسِ جِدًّا، فَلَوْ تَرَكْتَ لُزُومَ الْبَيْتِ بَعْضَ التَّرْكِ وَبَرَزْتَ لِلنَّاسِ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِكَ وَيَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ، فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الخفيف]

إِنْ صَحِبْنَا الْمُلُوكَ تَاهُوا عَلَيْنَا ... وَاسْتَخَفُّوا كِبْرًا بِحَقِّ الْجَلِيسِ

أَوْ صَحِبْنَا التُّجَّارَ صِرْنَا إِلَى الْبُؤْسِ ... وَعدْنَا إِلَى عِدَادِ الْفُلُوسِ

فَلَزِمْنَا الْبُيُوتَ نَسْتَخْرِجُ الْعِلْمَ ... وَنَمْلَأُ بِهِ بُطُونَ الطُّرُوسِ

⦗١٢٢٩⦘

٢٤١٧ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ فِي شِعْرٍ لَهُ:

[البحر البسيط]

أَقْبَلْتُ أَهْرَبُ لَا آلُو مُبَاعَدَةً ... فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ فَلَمْ يُحَصِّنِي الْهَرَبُ

لَمَّا رَأَيْتُ بَأَنِّي لَسْتُ مُعْجِزَهُمْ ... فَوْتًا وَلَا هَرَبًا فَرَيْتُ أَحْتَجِبُ

فَصِرْتُ فِي الْبَيْتِ مَستُورًا تُحَدِّثُنِي ... عَنْ عِلْمِ مَا غَابَ عَنِّي فِي الْوَرَى الْكُتُبُ

فَرْدًا تُخْبِرُنِي الْمَوْتَى وَتَنْطِقُ لِي ... فَلَيْسَ لِي فِي أُنَاسٍ غَيْرِهِمْ إِرَبُ

لِلَّهِ مِنْ جُلَسَاءٍ لَا جَلِيسُهُمْ ... وَلَا خَلِيطُهُمْ لِلسُّوءِ مُرْتَقِبُ

لَا بَادِرَاتِ الْأَذى يَخْشَى رَفِيقُهُمُ ... وَلَا يُلَاقِيهِ مِنْهُمْ مَنْطِقٌ ذَرِبُ

أَبْقَوْا لَنَا حِكَمًا تَبْقَى مَنَافِعُهَا ... آخِرَ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ وَانْشَعَبُوا

إِنْ شِئْتُ مِنْ مُحْكَمِ الْآثَارِ تَرْفَعُهَا ... إِلَى النَّبِيِّ ثِقَاتٌ خِيرَةٌ نُجُبُ

أَوْ شِئْتُ مِنْ عَرَبٍ عِلْمًا لِأَوَّلِهِمْ ... فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُنْبِئُنِي بِهَا الْعَرَبُ

أَوْ شِئْتُ مِنْ سِيَرِ الْأَمْلَاكِ مِنْ عَجَمٍ ... تُنْبِي وَتُخْبِرُ كَيْفَ الرَّأْيُ وَالْأَدَبُ؟

حَتَّى كَأَنِّي قَدْ شَاهَدْتُ عَصْرَهُمُ ... وَقَدْ مَضَتْ دُونَهُمْ مِنْ دَهْرِهم حِقَبُ

مَا مَاتَ قَوْمٌ إِذَا أَبْقَوْا لَنَا أَدَبًا ... وَعِلْمَ ودِينٍ وَلَا بَانُوا وَلَا ذَهَبُوا

٢٤١٨ - ذَكَرَ الْجَاحِظُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ عَلَى نَسَقٍ غَيْرِ هَذَا مَعَ زِيَادَةٍ وَتَغْيِيرِ نَظْمِ بَعْضِ الْأَبْيَاتِ وَهِيَ:

أَقْبَلْتُ أَهْرُبُ لَا آلُو مُبَاعَدَةً ... فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ فَلَمْ يُحْصِنِّي الْهَرَبُ

فَقَصَرَ أَوْسٌ فَمَا وَالَتْ حَنَادِقُهُ ... فَلَا النَّوَاوِيسُ فَالْمَاخُورُ فَالْخِرَبُ

فَأَيُّمَا مَوْئِلٍ مِنْهَا اعْتَصَمْتُ بِهِ ... فَمِنْ وَرَائِي حَثِيثًا مِنْهُمُ الطَّلَبُ

لَمَّا رَأَيْتُ بِأَنِّي لَسْتُ مُعْجِزَهُمْ ... فَوْتًا وَلَا هَرَبًا فَرَيْتُ أَحْتَجِبُ

فَصِرْتُ فِي الْبَيْتِ مَسْتُورًا بِهِ ... جَدَلًا جَارِي الْبَرَاءِ لَا شَكْوَى وَلَا شَغَبُ

فَرْدًا تُحَدِّثُنِي الْمَوْتَى وَتَنْطِقُ لِي ... عَنْ عِلْمِ مَا غَابَ عَنِّي مِنْهُمُ الْكُتُبُ

هُمْ مُؤْنِسُونَ وَآلَافٌ عُنِيتُ بِهِمْ ... فَلَيْسَ لِي فِي أُنَاسٍ غَيْرِهِمْ إِرَبُ

لِلَّهِ مِنْ جُلَسَاءٍ لَا جَلِيسُهُمُ ... وَلَا خَلِيطُهُمُ لِلسُّوءِ مُرْتَقِبُ

⦗١٢٣٠⦘ لَا بَادِرَاتِ الْأَذَى يَخْشَى رَفِيقُهُمُ ... وَلَا يُلَاقِيهِ مِنْهُمْ مَنْطِقٌ ذَرِبُ

أَبْقَوْا لَنَا حِكَمًا تَبْقَى مَنَافِعُهَا ... أُخْرَى اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ وَانْشَعَبُوا

فَأَيُّمَا أَدَبٍ مِنْهُمْ مَدَدْتُ يَدِي ... إِلَيْهِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ يَدِي كُتُبُ

إِنْ شِئْتُ مِنْ مُحْكَمِ الْآثَارِ يَرْفَعُهَا ... إِلَى النَّبِيِّ ثِقَاتٌ خِيَرٌ نُجُبُ

أَوْ شِئْتُ مِنْ عَرَبٍ عِلْمًا بِأَوَّلِهِمْ ... فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُنَبِّئُنِي بِهَا الْعَرَبُ

أَوْ شِئْتُ مِنْ سِيَرِ الْأَمْلَاكِ مِنْ عَجَمٍ ... تُنْبِي وَتُخْبِرُ كَيْفَ الرَّأْيُ وَالْأَدَبُ

حَتَّى كَأَنِّي قَدْ شَاهَدْتُ عَصْرَهُمُ ... وَقَدْ مَضَتْ دُونَهُمْ مِنْ دَهْرِهِمْ حِقَبُ

يَا قَائِلًا قَصَّرْتَ فِي الْعِلْمِ بِهَيْبَةٍ ... أَمْسَى إِلَى الْجَهْلِ فِيمَا قَالَ يَنْتَسِبُ

إِنَّ الْأَوَائِلَ قَدْ بَاتُوا بِعِلْمِهِمْ خِلَافَ ... قَوْلِكَ مَا بَانُوا وَمَا ذَهَبُوا

مَا مَاتَ مِثْلُ امْرِيء أَبْقَى لَنَا أَدَبًا ... يَكُونُ مِنْهُ إِذَا مَاتَ يَكْتَسِبُ

٢٤١٩ - وَمِمَّا يُحْفَظُ قَدِيمًا:

[البحر الكامل]

نِعْمَ الْمُحَدِّثُ وَالْجلِيسُ كِتَابُ ... تَخْلُو بِهِ إِنْ مَلَّكَ الْأَصْحَابُ

لَا مُفْشِيًا سِرًّا وَلَا مُتَكَبِّرًا ... وَتُفَادُ مِنْهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابُ

٢٤٢٠ - وَأَنْشَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ:

وَأَلَذُّ مَا طَلَبَ الْفَتَى بَعْدَ التُّقَى ... عِلْمٌ هُنَاكَ يَزِينُهُ طَلَبُهُ

وَلِكُلِّ طَالِبِ لَذَّةٍ مُتَنَزِّهٍ ... وَأَلَذُّ نُزْهَةِ عَالِمٍ كُتُبُهِ

٢٤٢١ - وَسَأَلَنِي أَنْ أَزِيدَهُ فِيهَا فَزِدْتُهُ بِحَضْرَتِهِ:

[البحر الكامل]

يُسْلِي الْكِتَابُ هُمُومَ قَارِئِهِ ... وَيَبِينُ عَنْهُ إِذَا قَرَأَ نَصَبُهُ

نِعْمَ الْجَلِيسُ إِذَا خَلَوْتَ بِهِ ... لَا مَكْرُهُ يُخْشَى وَلَا شَغَبُهُ

٢٤٢٢ - وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ:

الْعِلْمُ آنَسُ صَاحِبٍ ... أَخْلَوُ بِهِ فِي وَحْدَتِي

فَإِذَا اهْتَمَمْتُ فَسَلْوَتِي ... وَإِذَا خَلَوْتُ فَلَذَّتِي

وَيُرْوَى: وَإِذَا نَشِطْتُ فَلَذَّتِي. ⦗١٢٣١⦘

٢٤٢٣ - وَأَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الدِّمَشْقِيُّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ:

[البحر الوافر]

لَمِحْبَرَةٌ تُجَالِسُنِي نَهَارِي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أُنْسِ الصَّدِيقِ

وَرِزْمَةُ كَاغِدٍ فِي الْبَيْتِ عِنْدِي ... أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَدْلِ الدَّقِيقِ

وَلَطْمَةُ عَالِمٍ فِي الْخَدِّ مِنِّي ... أَلَذُّ إِلَيَّ مِنْ شُرْبِ الرَّحِيقِ

٢٤٢٤ - وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: " مَا دَخَلْتُ عَلَى رَجُلٍ قَطُّ وَلَا مَرَرْتُ بِبَابِهِ فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ فِي دَفْتَرٍ وَجَلِيسُهُ فَارِغٌ إِلَّا حَكَمْتُ عَلَيْهِ وَاعْتَقَدْتُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ عَقْلًا،

٢٤٢٥ - وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا يُجَالِسُ النَّاسَ وَنَزَلَ الْمَقْبَرَةَ فَكَانَ لَا يَكَادُ يُرَى إِلَّا وَفِي يَدِهِ دَفْتَرٌ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَمْ أَرْ قَطُّ أَوْعَظَ مِنْ قَبْرٍ وَلَا أَمْتَعَ مِنْ دَفْتَرٍ وَلَا أَسْلَمَ مِنْ وَحْدَةٍ،

٢٤٢٦ - وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ اللُّؤْلُؤِيِّ إِنْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ غَبَرَتْ لِي أَرْبَعُونَ عَامًا مَا قُمْتُ وَلَا نِمْتُ إِلَّا وَالْكِتَابُ عَلَى صَدْرِي،

٢٤٢٧ - وَأُنْشِدْتُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ إِدْرِيسَ الْوَزِيرِ الْجُرَيْرِيِّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ مُطَوَّلَةٍ:

[البحر الكامل]

وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْعِلْمَ أَرْفَعُ رُتْبَةً ... وَأَجَلُّ مُكْتَسَبٍ وَأَسْنَى مَفْخَرِ

فَاسْلُكْ سَبِيلَ الْمُقْتَنِينَ لَهُ تَسُدْ ... إِنَّ السِّيَادَةِ تُقْتَنَى بِالدَّفْتَرِ

وَالْعَالِمُ الْمَدْعُوُّ حَبْرًا إِنَّمَا ... سَمَّاهُ بِاسْمِ الْحَبْرِ حَمْلُ الْمِحْبَرِ

وَبِضَمْرِ الْأَقْلَامِ يَبْلُغُ أَهْلُهَا ... مَا لَيْسَ يُبْلَغُ بِالْجِيَادِ الضُّمَّرِ

وَقَدْ أَكْثَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ فِي جَمْعِ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمَنْظَومِ وَالْمَنْثُورِ فَرَأَيْتُ الِاقْتِصَارَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْقَلِيلِ أَوْلَى مِنَ الْإِكْثَارِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

<<  <  ج: ص: