للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن بخلاف هذه الأغلبيَّة، جاءت بعض الطُّرق عن الأعمشِ على وجهٍ يُصَرَّح فيها بكونِ الأربعين الأولى خاصَّة بالنُّطفة، وأنَّ لكلٍّ مِن طَورِ العَلَقة والمُضغةِ أربَعينَه الخاصَّ.

ولو نظرنا إلى بعضِ هذه الطُّرق النَّظر الإسناديَّ المُجرَّد، لحكمنا عليها بالصِّحة ظاهرًا، لثِقة بعضِ رُواتها عن الأعمش، لكنَّ السَّلامة مِن العِلل شرط في حقيقةِ النِّسبة.

فمِن أصرحِ أمثلة تلك الطُّرقِ المخالفةِ:

روايةُ جرير بن حازم، عن الأعمش، ولفظُها: «تكون النُّطفة في الرَّحِم أربعينَ ليلةً نُطفةً، وأربعين ليلةً علقةً، وأربعين ليلةً مُضغةً، ثمَّ يَبعث إليها مَلَكًا .. » الحديث (١).

وجرير بن حازم -وإن كان ثِقةً عند أهل هذا الشَّأن- لكنَّه تَفرَّد هنا بهذا اللَّفظ، حيث رواه بالمعنى الَّذي فهِمه فأخطأ، وقد عُهِد عليه مثلُ هذا الخطأ مع قوَّةِ حفظِه، حتَّى قال ابن حبَّان: «كان يُخطئ، لأنَّ أكثرَ ما كان يُحدِّث مِن حفظِه» (٢).

ولذا نجزِمُ بخطئِه في روايتِه هذه، وأنَّه قد شَذَّ فيها عن اللَّفظ الصَّحيح، لِما تَيقَّنَّاه مِن جِهة الطِّب على وجه الخصوصِ.

كما أنَّنا نجزِم بخطأِ روايةِ:

حفصِ بن عمر الحوضي، وسليمانِ بن حرب، ووهبِ بن جرير، ثلاثتُهم عن شعبة بن الحجَّاج، عن الأعمش، حيث زادوا لفظَ (نطفة) في الجملة الأولى للحديث، على هذا النَّحو: «إنَّ خلقَ أحدِكم يُجمَع في بطنِ أمِّه نطفةً أربعينَ ليلةً وأربعين يومًا، ثمَّ يكون علقَةً مثل ذلك، ثمَّ يكون مُضغةً مثل ذلك .. » الحديث (٣).


(١) أخرجه عبد الله بن وهب في «القدر» (ص/١٥١)، ومن طريقه الطَّحاوي في «مشكل الآثار» (٩/ ٤٨٥).
(٢) «الثقات» (٦/ ١٤٥).
(٣) أخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (٢٠/ ١٩١، رقم: ١١٥٦١)، والشَّاشي في «مسنده» (٢/ ١٤٢، رقم: ٦٨٢) من طريق وهب بن جرير.
وأخرجه الحربي في «غريب الحديث» (٣/ ١٢١٦) من طريق الحوضي وسليمان بن حرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>