للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا يقول: من يستمع لدروسكم على البلتوث مباشرة وبينكم وبينه آلاف الكيلو مترات هل يمكنه أن يعدكم من شيوخه، وينال شرف التتلمذ عليكم؟

كذا يقول هو.

الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- جاءه شخص من أقاصي الدنيا من أمريكا، وقال له: إنه من تلاميذ الشيخ، قال: أبداً لست من تلاميذي، أنا لا أعرفك، ما رأيتك في عمري كله، قال: اسأل في كل دروسك التي شرحتها، اسأل، فسأله الشيخ عدة أسئلة فوجده من أتقن الطلاب، قال: نعم أنت من تلاميذي، فإذا وجد بهذا المستوى من يفهم الكلام الفهم التام، أو يستفهم فيكون على صلة مستمرة، يستفهم عما يشكل عليه، ويستفيد من الشيخ، الشيخ من شيوخه، ويخرج على الرواية من وراء حجاب، الرواية من رواء حجاب، عند أهل العلم جائزة، كما كان الصحابة والتابعون يتلقون الحديث عن النساء، أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- من وراء حجاب، فالمسافة والحجاب سواءً قرب أو بعد حكمه واحد، لكن لو بين أثناء الإخبار لئلا يوصف بالتدليس ويوهم غيره أنه رحل من أجل طلب العلم لكان أولى، وهو الأورع، يعني لو قال: هو من تلاميذ فلان بواسطة الأشرطة، أو بواسطة هذه الأجهزة وهذه الآلات لا شك أنه هذا أورع، وأهل العلم يكثر فيهم التحري والتثبت في صيغ الأداء.

الإمام النسائي -رحمه الله تعالى- ذهب ليأخذ عن الحارث بن مسكين من الثقات، الحارث بن مسكين لما رأى النسائي والنسائي شخص يهتم بمظهره كأنه اتهمه بالثراء، والحارث -رحمة الله عليه- يأخذ أجرة على التحديث، وأخذ الأجرة على التحديث مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذا رأيه، نعم فصار بينه وبين النسائي سوء تفاهم فطرد الإمام النسائي من الدرس، فجلس الإمام النسائي خلف اسطوانة وصار يسمع، فروى عن الحارث بن مسكين، هل قال النسائي: حدثنا الحارث بن مسكين؟ أو قال: أخبرنا الحارث بن مسكين؟ ما قال لا هذا ولا ذاك لورعه، فجاء بالأخبار دون صيغة، وإن كان السنن المطبوع فيها الصيغة، لكن القصة تدل على أنه بدون صيغة، فكان يقول -رحمه الله تعالى-: "الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع" فعلى طالب العلم أن يكون متحرياً متثبتاً دقيقاً في تحمله، دقيقاً في أدائه، والله المستعان.