نخشى مثل هذا الكلام يفتح باب، يفتح باب لمن يؤول الوجه بالذات {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [(٢٧) سورة الرحمن] يقولون: ذاته، إذا كان المقصود بالوجه هنا الذات فيلزمنا أن نؤول الوجه بنصوص أخرى بالذات، لا شك أن أشرف ما في الإنسان وجهه والتنصيص عليه لأهميته، فإذا كان التنصيص عليه لأهميته فيكون هو أولى ما يدخل في النص، يعني لولا إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- لصنيع الصحابة والتفاتهم إلى جهته، ونظرهم إليه وإلى إشارته لما تردد في اشتراط استقبال القبلة بالوجه، ولولا ما ثبت عنهم وعنه من إقرار -عليه الصلاة والسلام- لما كان عن الإبطال إبطال الصلاة مندوحة لأنه منصوص عليه، والمنصوص عليه دخوله في النص قطعي، لا شك أن الالتفات انصراف عن الجهة التي أمر بالاتجاه إليها، ومثل هذا الانصراف بالبدن مؤدي إلى انصراف القلب الذي هو ضد الخشوع الذي ترجم به لهذا الحديث وغيره.
"وللترمذي وصححه: ((إياكِ)) " إن كان الخطاب لعائشة، أو إياكَ ((والالتفاتَ)) بالنصب لأنه محذر منه، يعني منصوب على التحذير ((في الصلاة فإنه هلكة)) لأنه مخل بهذا العبادة العظيمة، فالأصل أن الإنسان إذا استقبل القبلة وكبر ورفع الحجب بينه وبين ربه -عز وجل-، ودخل في هذه العبادة أنه مستغرق فيه، يعني هو يناجي ربه، هل يتصور من إنسان يناجي شخص من المخلوقين إذا كانت له في نفسه منزلة أن ينصرف عنه؟ يعني أنت وأنت تتحدث مع زميلك مستغرق في الحديث معه ثم انصرف عنك ألا يكون في نفسك عليه شيء؟ فأنت في أعظم العبادات إذا انصرفت عن مولاك لا شك أن هذا خلل في الاتجاه إلى ربك -عز وجل-، ولذا قال:((فإنه هلكة)) على ما في الخبر من ضعف؛ لأنه من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف عند الأكثر، وقد صححه الترمذي كما سمعنا.