للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٧٢٦ - أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ السَّيَّارِيُّ شَيْخُ أَهْلِ الْحَقَائِقِ بِخُرَاسَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ الْفَزَارِيُّ، أَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ، أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الشُّمَيْطِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْلَمَ الْعِجْلِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو الضَّحَّاكِ الْجَرْمِيَّ، عَنْ هَرِمِ بْنِ حَيَّانَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: " قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بِهَا هَمٌّ إِلَّا أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ أَطْلُبُهُ وَأَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى سَقَطْتُ عَلَيْهِ جَالِسًا وَحْدَهُ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ نِصْفَ النَّهَارِ، يَتَوَضَّأُ وَيَغْسِلُ ثَوْبَهُ، فَعَرَفْتُهُ بِالنَّعْتِ، فَإِذَا رَجُلٌ لَحِمٌ، أَدَمُ، شَدِيدُ الْأَدَمَةِ، أَشْعَرُ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ - يَعْنِي لَيْسَ لَهُ جُمَّةٌ - كَثُّ اللِّحْيَةِ، عَلَيْهِ إِزَارٌ مِنْ صُوفٍ، وَرِدَاءٌ مِنْ صُوفٍ، بِغَيْرِ حِذَاءٍ، كَبِيرُ الْوَجْهِ، مَهِيبُ الْمَنْظَرِ جِدًّا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ وَنَظَرَ إِلَيَّ، فَقَالَ: حَيَّاكَ اللَّهُ مِنْ رَجُلٍ؟ فَمَدَدْتُ يَدِي إِلَيْهِ لِأُصَافِحَهُ، فَأَبَى أَنْ يُصَافِحَنِي، وَقَالَ: وَأَنْتَ فَحَيَّاكَ اللَّهُ، فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا أُوَيْسُ وَغَفَرَ لَكَ، كَيْفَ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ ثُمَّ خَنَقَتْنِي الْغَيْرَةُ مِنْ حُبِّي إِيَّاهُ، وَرِقَّتِي لَهُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِ، مَا رَأَيْتُ حَتَّى بَكَيْتُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ فَرَحِمَكَ اللَّهُ يَا هَرِمُ بْنَ حَيَّانَ كَيْفَ أَنْتَ يَا أَخِي؟ مَنْ دَلَّكَ عَلَيَّ؟ قُلْتُ: اللَّهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا حِينَ سَمَّانِي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ رَأَيْتُهُ قَطُّ، وَلَا رَآنِي، ثُمَّ قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَنِي، وَعَرَفْتَ اسْمِي، وَاسْمَ أَبِي، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ رَأَيْتُكَ قَطُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ، قَالَ: نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، عَرَفَتْ رُوحِي رُوحَكَ حَيْثُ كَلَّمَتْ نَفْسِي نَفْسَكَ، أَنَّ الْأَرْوَاحَ لَهَا أَنْفَسٌ كَأَنْفُسِ الْأَحْيَاءِ، إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَحَدَّثُونَ بِرُوحِ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَقُوا، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمُوا وَيَتَعَارَفُوا، وَإِنْ نَأْتِ بِهُمُ الدِّيَارُ، وَتَفَرَّقَتْ بِهُمُ الْمَنَازِلُ، قَالَ: قُلْتُ، حَدِّثْنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ أَحْفَظُهُ عَنْكَ، قَالَ: إِنِّي لَمْ أُدْرِكْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ تَكُنْ لِي مَعَهُ صُحْبَةٌ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رِجَالًا قَدْ رَأَوْهُ، وَقَدْ بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِهِ كَمَا بَلَغَكُمْ، وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ أَفْتَحَ هَذَا الْبَابَ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَكُونَ مُحَدَّثًا أَوْ قَاضِيًا وَمُفْتِيًا، فِي النَّفْسِ شُغْلٌ يَا هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَخِي، اقْرَأْ عَلَيَّ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَسْمَعْهُنَّ مِنْكَ، فَإِنِّي أُحَبُّكَ فِي اللَّهِ حُبًّا شَدِيدًا، وَادْعُ بِدَعَوَاتٍ، وَأَوْصِ بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظْهَا عَنْكَ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ وَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ: فَشَهِقَ شَهْقَةً، ثُمَّ بَكَى مَكَانَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَبِّي تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَأَحَقُّ الْقَوْلِ قَوْلُهُ، وَأَصْدَقُ الْحَدِيثِ حَدِيثُهُ، وَأَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُهُ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان: ٣٩] حَتَّى بَلَغَ {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الدخان: ٤٢] ، ثُمَّ شَهِقَ شَهْقَةً، ثُمَّ سَكَتَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، وَأَنَا أَحْسِبُهُ قَدْ غَشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا هَرِمُ بْنَ حَيَّانَ مَاتَ أَبُوكَ، وَأَوْشَكَ أَنْ تَمُوتَ، وَمَاتَ أَبُو حَيَّانَ، فَإِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، وَمَاتَ آدَمُ، وَمَاتَتْ حَوَّاءُ يَا ابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، يَا ابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ مُوسَى نَجِيُّ الرَّحْمَنِ، يَا ابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ دَاوُدُ خَلِيفَةُ الرَّحْمَنِ، يَا ابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الرَّحْمَنِ، وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ الْمُسْلِمِينَ، يَا ابْنَ حَيَّانَ، وَمَاتَ أَخِي وَصَفِيِّي وَصَدِيقِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: وَاعُمَرَاهُ رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعْدُ حَيٌّ، قَالَ: بَلَى، إِنْ تَفْهَمْ فَقَدْ عَلِمْتَ مَا قُلْتُ أَنَا، وَأَنْتَ فِي الْمَوْتَى، وَكَانَ قَدْ كَانَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَا بِدَعَوَاتٍ خِفَافٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي إِلَيْكَ يَا هَرِمُ بْنَ حَيَّانَ، كِتَابُ اللَّهِ، وَاللِّقَاءُ بِالصَّالِحِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ نَعَيْتُ عَلَى نَفْسِي، وَنَعَيْتُكَ فَعَلَيْكَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، فَلَا يُفَارِقَنَّ عَلَيْكَ طَرْفَةً وَأَنْذِرْ قَوْمَكَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِمْ، وَانْصَحْ أَهْلَ مِلَّتَكَ جَمِيعًا، وَاكْدَحْ لِنَفْسِكَ وَإِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الْجَمَاعَةَ فَتُفَارِقَ دِينَكَ، وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ فَتَدْخُلُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فِيكَ، وَزَارَنِي مِنْ أَجَلِكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَأَدْخِلْهُ عَلَيَّ زَائِرًا فِي دَارِكَ دَارِ السَّلَامِ، وَاحْفَظْهُ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا حَيْثُ مَا كَانَ، وَضَمَّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَرَضِّهِ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ، وَمَا أَعْطَيْتَهُ مِنَ الدُّنْيَا فَيَسِّرْهُ لَهُ، وَاجْعَلْهُ لِمَا تُعْطِيَهُ مِنْ نِعْمَتِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَاجْزِهِ خَيْرَ الْجَزَاءِ، اسْتَوْدَعْتُكَ اللَّهَ يَا هَرِمُ بْنَ حَيَّانَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِي: لَا أَرَاكَ بَعْدَ الْيَوْمِ رَحِمَكَ اللَّهُ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الشُّهْرَةَ، وَالْوَحْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنِّي شَدِيدُ الْغَمِّ، كَثِيرُ الْهَمِّ، مَا دُمْتُ مَعَ هَؤُلَاءِ النَّاسِ حَيًّا فِي الدُّنْيَا، وَلَا تَسْأَلْ عَنِّي، وَلَا تَطْلُبُنِي، وَاعْلَمْ أَنَّكَ مِنِّي عَلَى بَالٍ، وَلَمْ أَرَكَ، وَلَمْ تَرَنِي، فَاذْكُرْنِي وَادْعُ لِي، فَإِنِّي سَأَذْكُرُكَ وَأَدْعُو لَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، انْطَلِقْ هَا هُنَا حَتَّى أَخَذَ هَا هُنَا، قَالَ: فَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَسِيرَ مَعَهُ سَاعَةً فَأَبَى عَلَيَّ، فَفَارَقْتُهُ يَبْكِي وَأَبْكِي، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي قَفَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي بَعْضِ السِّكَكِ، فَكَمْ طَلَبْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَمَا وَجَدْتُ أَحَدًا يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ، وَغَفَرَ لَهُ، وَمَا أَتَتْ عَلَيَّ جُمُعَةٌ إِلَّا وَأَنَا أَرَاهُ فِي مَنَامِي مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ كَمَا قَالَ "

[التعليق - من تلخيص الذهبي]٥٧٢٦ - سكت عنه الذهبي في التلخيص

<<  <  ج: ص:  >  >>