٦٤٧٧ - أَخْبَرَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسَدِيُّ، بِهَمْدَانَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ ذِي الرُّقَيْبَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ ابْنَا زُهَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا أَبْرَقَ الْعَزَّافِ، فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ: اثْبُتْ فِي عَجَلِ هَذَا الْمَكَانَ حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْمَعَ مَا يَقُولُ. فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ، «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ» ، فَأَسْلَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا، فَقَالَ:
[البحر الطويل]
أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً ... عَلَى أَيٍّ شَيْءٍ وَيْحَ غَيْرِكَ دَلَّكَا
عَلَى خَلْقٍ لَمْ تَلْفَ أُمًّا وَلَا أَبًا ... عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ... وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
فَلَمَّا بَلَغَتِ الْأَبْيَاتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْدَرَ دَمَهُ، فَقَالَ: «مَنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ» فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ وَيَقُولُ لَهُ: النَّجَا وَمَا أَرَاكَ تَفْلِتُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ وَأَقْبِلْ فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ الْقَصِيدَةَ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ مُتَحَلِّقُونَ مَعَهُ حَلْقَةً دُونَ حَلْقَةٍ يَلْتَفِتُ إِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً، فَيُحَدِّثُهُمْ وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً، فَيُحَدِّثُهُمْ، قَالَ كَعْبٌ فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ، فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصِّفَةِ فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمْتُ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ الْأَمَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ: أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ، قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ ... وَانْهَلَكَ الْمَأْمُورُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قُلْتُ هَكَذَا، قَالَ: «وَكَيْفَ قُلْتَ» ، قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ:
سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةً ... وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَأْمُونٌ وَاللَّهِ» ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَأَمْلَاهَا عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ ذِي الرُّقَيْبَةِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَهِيَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ:
[البحر البسيط]
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ ... مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ ظَعَنُوا ... إِلَّا أَغَنٌّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ ... كَأَنَّهَا مُنْهَلٌّ بِالْكَأْسِ مَعْلُولُ
شَجَّ السُّقَاةُ عَلَيْهِ مَاءَ مَحْنَيةٍ ... مِنْ مَاءِ أَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ ... مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٍ يَعَالِيلُ
سَقْيًا لَهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ ... مَوْعُودَهَا وَلَوْ أَنَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ
لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا ... فْجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ
فَمَا تَدُومَ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا ... كَمَا تَلَوَّنَ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ
فَلَا تَمَسَّكُ بِالْوَصْلِ الَّذِي زَعَمَتْ ... إِلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا ... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلَّا الْأَبَاطِيلُ
فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ ... إِلَّا الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ
أَرْجُو أَوْ آمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا ... وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ
أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُهَا ... إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ
وَلَنْ تَبْلُغَهَا إِلَّا عَذَافِرَةٌ ... فِيهَا عَلَى الْأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ
مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ ... عَرَضْتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ
يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَزْلِقُهُ ... مِنْهَا لِبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ
عَيْرَانَةٌ قَذَفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عَرَضٍ ... وَمِرْفَقُهَا عَنْ ضُلُوعِ الزُّورِ مَفْتُولُ
كَأَنَّمَا قَابَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحِهَا ... مِنْ خُطُمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ
تَمْرٌ مِثْلُ عَسِيبِ النَّحْلِ إِذَا خَصَلَ ... فِي غَارِ زَلْمٍ تَخُونُهُ الْأَحَالِيلُ
قَنْوَاءُ فِي حَرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا ... عَتَقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ
تَخْذَى عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ ... ذَا وَبَلٍ مَسَّهُنَّ الْأَرْضُ تَحْلِيلُ
حَرْفٌ أَبُوهَا أَخُوهَا مِنْ مَهْجَنَةٍ ... وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءٌ شَمْلِيلُ
سَمَرَ الْعَجَايَاتِ يُتْرَكُنَّ الْحَصَازَيْمَا ... مَا إِنَّ تَقَيَّهُنَّ حَدَّ الْأَكْمِ تَنْعِيلُ
يَوْمًا تَظَلُّ حِدَابُ الْأَرْضِ يَرْفَعُهَا ... مِنَ اللَّوَامِعِ تَخْلِيطٌ وَتَرْجِيلُ
كَانَ أَوْبُ يَدَيْهَا بَعْدَمَا نَجَدَتْ ... وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ
يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحَرْبَاءُ مُصْطَخَدًا ... كَانَ ضَاحِيَةً بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ
أَوْبٌ بَدَا نَأْكُلُ سَمْطَاءَ مَعْوَلَةً ... قَامَتْ تُجَاوِبُهَا سَمْطٌ مَثَاكِيلُ
نُوَاحَةَ رَخْوَةَ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا ... لَمَّا نَعَى بَكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ
تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلِهِمُ ... إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ
خَلُّوا الطَّرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ ... فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ
كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ ... يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ
أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي ... وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ
فَقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مُعْتَذِرًا ... وَالْعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَقْبُولُ
مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ ... الْقُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ
لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ ... أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ لَهُ ... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ
لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ... عِنْدَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ
حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لَا أُنَازِعُهُ ... فِي كَفٍّ ذِي نَقِمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيلُ
فَكَانَ أَخْوَفَ عِنْدِي إِذَا كَلَّمَهُ ... إِذْ قِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ
مِنْ خَادِرٍ شِيكِ الْأَنْيَابِ ... طَاعَ لَهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ
يَغْدُو فَيَلْحُمُ ضِرْغَامَيْنِ عِنْدَهُمَا ... لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَنْثُورٌ خَرَادِيلُ
مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الْوَحْشِ ضَامِرَةً ... وَلَا تَمْشِي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ
وَلَا تَزَالُ بِوَادِيهِ أَخَا ثِقَةٍ ... مُطَّرِحِ الْبَزِّ وَالدَّرْسَانِ مَأْكُولُ
إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ
فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ الْكَأْسُ وَلَا كُشُفٌ ... عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مَيْلٌ مَعَازِيلُ
شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لُبُوسُهُمْ ... مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حِلَقٌ ... كَأَنَّهَا حِلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ
يَمْشُونَ مَشْيَ الْجَمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمُ ... ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ
لَا يَفْرَحُونَ إِذَا زَالَتْ رِمَاحُهُمُ ... قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إِذَا نِيلُوا
مَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهُمُ ... وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ