للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي وَعَدُوَّ اللَّهِ أضْرِبُ عُنُقَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ عَنْكَ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا» فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ لِمَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَقَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي حِينَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَانَتْ سُعَادُ فَذَكَرَ الْقَصِيدَةَ إِلَى آخِرِهَا وَزَادَ فِيهَا:

[البحر البسيط]

تَرْمِي الْفِجَاجَ بِعَيْنَيَّ مُفْرَدٍ لَهِقٍ ... إِذَا تَوَقَّدَتِ الْحُزَّانُ فَالْمِيلُ

ضَخْمٌ مُقَلَّدُهَا فَعْمٌ مُقَيِّدُهَا ... فِي خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الْفَحْلِ تَفْضِيلُ

تَهْوَى عَلَى يَسَرَاتٍ وَهِيَ لَاهِيَةٌ ... ذَوَابِلَ وَقَعَهُنَّ الْأَرْضُ تَحْلِيلُ

وَقَالَ لِلْقَوْمِ حَادِيهِمْ وَقَدْ جَعَلْتُ ... وَرِقَ الْجَنَادِبِ يَرْكُضْنَ الْحَصَى قِيلُ

لَمَّا رَأَيْتُ حُدَابَ الْأَرْضِ يَرْفَعُهَا ... مَعَ اللَّوَامِعِ تَخْلِيطٌ وَتَرْجِيلُ

وَقَالَ كُلُّ صِدِّيقٍ كُنْتُ آمَلُهُ ... لَا أُلْفِيَنَّكَ إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ

إِذَا يُسَاوِرُ قَرْنًا لَا يَحِلُّ لَهُ ... أَنْ يَتْرُكَ الْقَرْنَ إِلَّا وَهُوَ مَفْلُولُ"

قَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: فَلَمَّا قَالَ: إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ مَعَاشِرَ الْأَنْصَارِ لَمَّا كَانَ صَنَعَ صَاحِبِهِمْ وَخَصَّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَدِيحِهِ غَضِبَتْ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ، فَقَالَ: بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَهُوَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ وَيُذْكَرُ بَلَاءَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِعَهُمْ مِنَ الْيَمَنْ، فَقَالَ:

[البحر الكامل]

مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلَا يَزَلْ ... فِي مَقْنَبٍ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ

وَرِثُوا الْمَكَارِمَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ... إِنَّ الْخِيَارَ هُمْ بَنُو الْأَخْيَارِ

الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَوَقْعَةِ الْجَبَّارِ

وَالنَّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّةٍ ... كَالْجَمْرِ غَيْرَ كَلِيلَةِ الْأَبْصَارِ

الْمُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيَّ بِأَذْرُعٍ ... كَسَوَاقِلِ الْهِنْدِيِّ غَيْرِ قِصَارِ

وَلَهُمْ إِذَا خَبَتِ النُّجُومُ وَغُوِّرَتْ ... لِلطَّائِفِينَ الطَّارِقِينَ مَقَارِي

الذَّائِدِينَ النَّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ ... بِالْمَشْرِفِيِّ وَبِالْقَنَا الْخِطَارِ

حَتَّى اسْتَقَامُوا وَالرِّمَاحُ تَكُبُّهُمْ ... فِي كُلِّ مَجْهَلَةٍ وَكُلِّ خِتَارِ

لِلْحَقِّ إِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ ... وَنَبِيَّهُ بِالْحَقِّ وَالْأَنْذَارِ

وَالْمُطْعِمِينَ الضَّيْفَ حِينَ يَنُوبُهُمْ ... مِنْ شَحْمِ كَوْمٍ كَالْهِضَابِ عِشَارِ

وَالْمُقْدِمِينَ إِذَا الْكُمَاةُ تَوَاكَلَتْ ... وَالضَّارِبِينَ النَّاسَ فِي الْإِعْصَارِ

يَسْعَوْنَ لِلْأَعْدَا بِكُلِّ طِمِرَّةٍ ... وَأَقَبٍ مُعْتَدِلِ الْبَلِيلِ مَطَارِ

مُتَقَادِمٍ بَلَغَ أَجَشَّ مَهِيلَةٍ ... كَالسَّيْفِ يَهْدِمُ حَلْقَهُ بِسِوَارِ

دَرَبُوا كَمَا دَرَبَتْ بِبَطْنٍ حَفِيَّةٍ ... غَلْبُ الرِّقَابِ مِنَ الْأَسْوَدِ ضَوَارِي

وَكُهُولِ صِدْقٍ كَالْأُسُودِ مَصَالَتْ ... وَبِكُلِّ أَغْبَرَ مُدْرِكِ الْأَوْتَارِ

وَبِمُتَرَصَّاتٍ كَالثِّقَافِ ثَوَاهِلَ ... يَشْفِي الْغَلِيلَ بِهَا مِنَ الْفُجَّارِ

ضَرَبُوا عَلَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ ضَرْبَةً ... دَانَتْ لِوَقْعَتِهَا جُمُوعُ نِزَارِ

لَا يَشْتَكُونَ الْمَوْتَ إِنْ نَزَلَتْ بِهِمْ ... حَرْبٌ ذَوَاتُ مَغَاوِرٍ وَإِوَارِ

يَتَطَهَّرُونَ كَأَنَّهُ نُسُكٌ لَهُمْ ... بِدِمَاءِ مَنْ عَلَقُوا مِنَ الْكُفَّارِ

وَإِذَا آتَيْتُهُمْ لِتَطْلُبَ نَصْرَهُمْ ... أَصْبَحْتَ بَيْنَ مَعَافِرٍ وَغِفَارِ

يَحْمُونَ دِينَ اللَّهِ إِنَّ لِدِينِهِ ... حَقًّا بِكُلِّ مُعَرِّدٍ مِغْوَارِ

لَوْ تَعْلَمُ الْأَقْوَامُ عِلْمِي كُلَّهُ ... فِيهِمْ لَصَدَّقَنِي الَّذِينَ أُمَارِي

<<  <  ج: ص:  >  >>