تكفير المسلم. إلا ببرهان قطعي، كا لا يسوغ لك أن تعتقد العرفان والولاية فيمن قد تبرهن زغله، وانهتك باطنه وزندقته، فلا هذا ولا هذا، بل العدل أن من رآه المسلمون صالحا محسنا، فهو كذلك، لأنهم شهداء لله في أرضه، إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة، وأن من رآه المسلمون فاجرا أو منافقا أو مبطلا، فهو كذلك، وأن من كان طائفة من الأمة تضلله، وأن طائفة من الأمة تثني عليه وتبجله، وطائفة ثالثة تقف فيه وتتورع من الحط عليه، فهو ممن ينبغي أن يعرض عنه، وأن يفوض أمره إلى الله، وأن يستغفر له في الجملة؛ لأن إسلامه أصلي بيقين، وضلاله مشكوك فيه، فبهذا تستريح، ويصفو قلبك من الغل للمؤمنين.
ثم اعلم أن أهل القبلة كلهم، مؤمنهم وفاسقهم، وسنيهم ومبتدعهم -سوى الصحابة- لم يجمعوا على مسلم بأنه سعيد ناج، ولم يجمعوا على مسلم بأنه شقي هالك، فهذا الصديق فرد الأمة، قد علمت تفرقهم فيه، وكذلك عمر، وكذلك عثمان، وكذلك علي، وكذلك ابن الزبير، وكذلك الحجاج، وكذلك المأمون، وكذلك بشر المريسي، وكذلك أحمد بن حنبل، والشافعي، والبخاري، والنسائي، وهلم جرا من الأعيان في الخير والشر إلى يومك هذا، فما من إمام كامل في الخير، إلا وثم أناس من جهلة المسلمين ومبتدعيهم يذمونه، ويحطون عليه، وما من رأس في البدعة والتجهم والرفض إلا وله أناس ينتصرون له، ويذبون عنه، ويدينون بقوله بهوى وجهل، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل، المتصفين بالورع والعلم.
فتدبر -يا عبد الله- نحلة الحلاج الذي هو من رءوس القرامطة، ودعاة الزندقة، وأنصف وتورع واتق ذلك، وحاسب نفسك فإن تبرهن لك أن شمائل هذا المرء شمائل عدو للإسلام، محب للرئاسة، حريص على الظهور بباطل وبحق، فتبرأ من نحلته، وإن تبرهن لك -والعياذ بالله- أنه كان والحالة هذه محقا هاديا مهديا فجدد إسلامك، واستغث بربك أن يوفقك للحق، وأن يثبت قلبك على دينه، فإنما الهدى نور الله يقذفه الله في قلب عبده المسلم، ولا قوة إلا بالله، وإن شككت ولم تعرف حقيقته، وتبرأت مما رمي به، أرحت نفسك، ولم يسألك الله عنه أصلا.
وقال في "السير""١٢/ ١٧ - ١٨":
سئل عبد الله بن منازل الزاهد عن شيخ الصوفية أبي إسحاق إبراهيم بن شيبان القرميسيني زاهد الجبل، فقال: هو حجة الله على الفقراء، وأهل المعاملات والآداب.