للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيتمكن حينئذ من فعل ما يريد، وقد رصدني هؤلاء منذ خمسة عشر يومًا، فما رأوني آكل شيئًا بتة، وهذا نهاية صبري، فخذ رطلًا من الزبيب ورطلًا من اللوز، فدقهما، واجعلهما مثل الكسب، وابسطه كالورقة، واجعلها بين ورقتين كدفتر، وخذ الدفتر في يدك مكشوفًا مطويا ليخفى، وأحضره لي خفية لآكل منه وأشرب الماء في المضمضة، فيكفيني ذلك خمسة عشر يومًا أخرى، فكنت أعمل ذلك له طول حبسه.

قال إسماعيل الخطبي في "تاريخه": وظهر رجل يعرف بالحلاج، وكان في حبس السلطان بسعاية وقعت به في وزارة علي بن عيسى، وذكر عنه ضروب من الزندقة، ووضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة، فكشفه الوزير، وأنهى خبره إلى المقتدر، فلم يقر بما رمي به، وعاقبه، وصلبه حيا أيامًا، ونودي عليه، ثم حبس سنين، ينقل من حبس إلى حبس، حتى حبس بآخرة في دار السلطان، فاستغوى جماعة من الغلمان، وموه عليهم، واستمالهم بحيله، حتى صاروا يحمونه، ويدفعون عنه، ثم راسل جماعة من الكبار، فاستجابوا له، وترامى به الأمر حتى ذكر عنه أنه ادعى الربوبية، فسعي بجماعة من أصحابه فقبض عليهم، ووجد عند بعضهم كتب له تدل على ما قيل عنه، وانتشر خبره، وتكلم الناس في قتله، فسلمه الخليفة إلى الوزير حامد، وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة، ويجمع بينه وبين أصحابه، فجرت في ذلك خطوب، ثم تيقن السلطان أمره، فأمر بقتله وإحراقه لسبع بقين من ذي القعدة، سنة تسع وثلاث مائة، فضرب بالسياط نحوًا من ألف، وقطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه، وأحرق بدنه، ونصب رأسه للناس، وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه.

قال أبو علي التنوخي: أخبرني أبو الحسين بن عياش القاضي، عمن أخبره: أنه كان بحضرة حامد بن العباس لما قبض على الحلاج، وقد جيء بكتب وجدت في داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها: وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها، وأجاب قوم إلى أنك الباب -يعني: الإمام- وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان -يعنون: الإمام الذي تنتظره الإمامية- وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر -يعنون: النبي ﷺ وقوم يعنون أنك هو هو -يعني الله ﷿ قال: فسئل الحلاج عن تفسير هذه الكتب، فأخذ يدفعه ويقول: هذه الكتب لا أعرفها، هذه مدسوسة علي، ولا أعلم ما فيها، ولا معنى هذا الكلام، وجاؤوا بدفاتر للحلاج فيها: أن الإنسان إذا أراد الحج، فإنه يكفيه أن يعمد إلى بيت … وذكر القصة.

<<  <  ج: ص:  >  >>