لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَّا شَعْرَةٌ وَلَا ظُفُرٌ إِلَّا هَلَكَ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: فَمَا الرَّأْيُ يَا أَبَا مَرْيَمَ؟ فَقَدْ وَضَعَتْكَ الْأُمُورُ عَلَى ذِرَاعٍ فَهَاتِ رَأْيَكَ، فَقَالَ: رَأْيِي أَنْ أُحَكِّمَهُ، فَإِنِّي أَرَى الرَّجُلَ لَا يَحْكُمُ شَطَطًا أَبَدًا، فَقَالَا لَهُ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَلَقِيَ شُرَحْبِيلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ مُلَاعِنَتِكَ، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ شُرَحْبِيلُ: حَكَّمْتُكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَيْلَتَكَ إِلَى الصَّبَاحِ، فَمَهْمَا حَكَمْتَ فِينَا فَهُوَ جَائِزٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ وَرَاءَكَ أَحَدًا يُثَرِّبُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِيلُ: سَلْ صَاحِبَيَّ، فَسَأَلَهُمَا فَقَالَا: مَا تَرِدُ الْمَوَارِدُ وَلَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِ شُرَحْبِيلَ. فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ أَتَوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ صُلْحٍ وَمُوَادَعَةٍ، فَقَبَضُوا كِتَابَهُمْ وَانْصَرَفُوا إِلَى نَجْرَانَ. فَتَلَقَّاهُمُ الْأُسْقُفُّ، وَوُجُوهُ نَجْرَانَ عَلَى مَسِيرِ لَيْلَةٍ مِنْ نَجْرَانَ، وَمَعَ الْأُسْقُفِّ أَخٌ لَهُ مِنْ أُمِّهِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ مِنَ النَّسَبِ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَلْقَمَةَ، فَدَفَعَ الْوَفْدُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأُسْقُفِّ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَقْرَؤُهُ وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَعَهُ وَهُمَا يَسِيرَانِ إِذْ كُبَّتْ بِأَبِي عَلْقَمَةَ نَاقَتُهُ، فَتَعَّسَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَنِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ عِنْدَ ذَلِكَ: قَدْ وَاللَّهِ تَعَّسْتَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَلْقَمَةَ: لَا جَرَمَ وَاللَّهِ لَا أَحِلُّ عَنْهَا عَقْدًا حَتَّى آتِيَهُ، فَضَرَبَ وَجْهَ نَاقَتِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، وَثَنَى الْأُسْقُفُّ نَاقَتَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: افْهَمْ عَنِّي، إِنَّمَا قُلْتُ هَذَا لِيَبْلُغَ عَنِّي الْعَرَبَ مَخَافَةَ أَنْ يَرَوْا أَنَّا أَخَذَتْنَا حُمْقَةٌ، أَوْ نَجَعْنَا لِهَذَا الرَّجُلِ بِمَا لَمْ يَنْجَعْ بِهِ الْعَرَبُ، وَنَحْنُ أَعَزُّهُمْ وَأَجْمَعُهُمْ دَارًا. فَقَالَ لَهُ أَبُو عَلْقَمَةَ: وَاللَّهِ لَا أَقْبَلُكَ بَعْدَ مَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِكَ أَبَدًا، ثُمَّ ضَرَبَ نَاقَتَهُ وَهُوَ يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute