للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:
مسار الصفحة الحالية:

وَمالا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ، والشفاعة مأخوذة من الشفع، وهى ضم طلب الشافع إلى طلب المشفوع له، وما عبد المشركون في كل عصر صالحيهم إلا بحجة أنهم يشفعون لهم عند الله، وعملهم لهذه الغاية صادر بلا ريب عن اعتقادهم في أوليائهم أنهم يملكون الشفاعة، ولو كان عندهم عقل لأخلصوا العبادة لله وحده، لأن الشفاعة وغيرها ملكه لا يشاركه في ذلك أحد، وهو الرحمن الرحيم الغفور الودود، وهؤلاء يدعون العبيد الأموات، أن يمنحوهم ما يملكه الله وحده، ولا يسألون مالك الملك بدل إذلالهم أنفسهم لأصنامهم وطواغيتهم، وإذا كانوا لا يؤمنون بالقرآن، أيجوز في عقل الإنسان أن يطلب الشيء ممن لا يملكه، إنّ عقل المشركين هو الذي أباح للعبيد أن يسألوا الصخرة الصماء رحيق الجنة والميت إمداد البركات، في الحياة، والعاجز الضعيف الفقير أن يهب لهم القدرة، والقوة والغنى، وزين الشيطان لهم، أن رحمة القبور، أقرب إليهم من رحمة الخلاق الرحيم، فاستجاروا بمن لا يجير نفسه، من دود الأرض، واسترحموا من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.

إن الشفاعة ملك خاص لله وحده، فمن الشرك القول: "نسألك الشفاعة يا رسول الله " لأن السائل ذلك يسأله ما يملكه الله وحده، فيحبب أن يقول: اللهم اجعلنا ممن يستحق شفاعة نبيك. بيد أن الشيطان زين لعباده أنه لا فرق بين الأمرين، وأن التفريق بينهما تزمت وتنطع، في الدين قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . نفى الله عمن سواه كل ما يتعلق به المشركون، نفى أن يكون لغيره ملك أو قسط من الملك، أو يكون عوناًَ لله، فلم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} فالشفاعة التي يظنها المشركون، منفية {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ} . وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يبدأ بالشفاعة أولا، بل يسجد لله ويحمده ثم يأذن له في الشفاعة بقول الله له اشفع. وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه "١ فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص وهي محرمة على المشرك، وحقيقتها تفضل الله سبحانه على أهل الإخلاص بمغفرته بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه، وينال المقام المحمود، فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، والتي أثبتها هي ما كانت بإذنه، ولمن رضي عنه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص.


١ فتح الباري ج اص١٩٣ وج ا ١ص٤١٨

<<  <  ج: ص: