للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد ... لكم خلف أدبار البيوت ومنظر١

إذا المرء لم يطلب معاشا لنفسه ... شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا

وصار على الأذنين كلا، وأوشكت ... صلات ذوي القربى له أن تنكرا٢

ويرسم السليك صورة إنسنية مؤثرة لما تلاقيه خالاته الإماء السود من الضيم والهوان، وهو عاجز لفقره عن أن يفعل من أجلهن شيئا حتى ليشيب رأسه مما يقاسيه نفسيا من أجلهن:

أشاب الرأس أنى كل يوم ... أرى لي خالة وسط الرحال

يشق علي أن يلقين ضيما ... ويعجز عن تخلصهن مالي٣

والسليك في هذين البيتين لا يقصد خالاته القريبات شقيقات أمه بالذات، ولكنه يقصد بهن عامة الجنس، فهو يصور فيهما هوان الجنس الأسود الذي تنتمي إليه خالاته، ويقول المبرد "وإنما توجع لخالاته لأنهن كن إماء"٤.

ومن الطبيعي أن يتحدث الشعراء الصعاليك، بعد أن عرضوا لمشكلة الفقر وأثرها وأسبابها، عن آرائهم فيها، وكيف يكون السبيل إلى حلها. والسبيل الوحيد إلى ذلك عندهم، كما أسلفنا، الثورة على المجتمع، أو بالذات على طبقة المالة فيه، واغتصاب حقوقهم منها، متعمدين على قوتهم، مهما يكلفهم ذلك من ثمن.

وقد صور الشعراء الصعاليك هذا كله في شعرهم، فكما تحدثوا عن مغامراتهم وهي الناحية العملية من حلهم للمشكلة، تحدثوا عن الناحية النظرية فيها، فسجلوا آراءهم الاجتماعية والاقتصادية تسجيلا صادقا بارعا.

فهم يحتقرون تلك الطائفة الخاملة من الصعاليك الذين قبلوا وضعهم الاجتماعي الذليل وقنعوا به، فعاشوا على هامش المجتمع ينتظرون من فضلات


١ ديوانه/ ٦٧.
٢ ديوانه/ ١٩٠.
٣ المبرد: الكامل / ٢٩٩. والبغدادي: خزانة الأدب ٣/ ١٢٨ وفيهما "يعز" مكان "يشق".
٤ الكامل / ٢٢٩.

<<  <   >  >>